×
محافظة المنطقة الشرقية

ديشامب: الألمان يحبون ريبيري أكثر من الفرنسيين

صورة الخبر

ست درجات مئوية في عز ظهر القاهرة حيث الثلوج والأمطار والسحب الملبدة بالسواد، ودرجتان تحت الصفر حيث قيلولة حكومية يكاد يسمع من خلف أبوابها المغلقة صوت الغطيط، تقابلهما ألف درجة مئوية حيث أُمِر طلاب «الإخوان المسلمين» بـ «إشعال» نيران الثورة في جمعة هي الأبرد في مصر منذ ما يزيد على قرن من الزمان. قرن من الزمان إلا قليل مضى على تأسيس جماعة «الإخوان» التي جاءت لتحمل الخير للأمة، ثم دفعتها رياح الربيع إلى تخصيص حمل الخير لمصر الذي فسره معارضوها بأنه شاي وسكر وزيت لزوم الانتخابات، ما لبث أن تحول «أخونة» وهيمنة وإقصاء، وأخيراً ومع انقلاب الإرادة الشعبية، بات خراباً ودماراً، ويوم أمس نيراناً لزوم تدفئة الأجواء الباردة ومحاولة إشعال الهمم «الإخوانية» لاستعادة القبضة وعودة السطوة للإطباق مجدداً على أنفاس مصر. أنفاس مصر المتقطعة باتت تعاني الأمرّين حيناً تحت وطأة نوم عميق تغط فيه حكومة المسنين والشيوخ والذين يطلق عليهم في مصر «ناس بركة» و «حسهم في الدنيا»، إذ يكفي وجودهم على قيد الحياة وليس بالضرورة فعاليتهم أو تأثيرهم، وحيناً تحت رحمة تشرذم النخبة وفراغ محتواها السياسي وهزل تخطيطها الاقتصادي وغياب مضمونها الحضاري، وحيناً آخر لتواتر حبات العقد «الإخواني» المنثور عبر تظاهرات الإخوة السلمية ومسيرات الأخوات الحرائرية. أمران لا ثالث لهما ينغصان حياة المصريين، ويؤرقان نومهم، ويزيدان وطأة بردهم. الأول هو هيبة الدولة، حيث خريطة طريق مصر المأسوف على شبابها والتي تتجاذبها رياح «نناشد أبناءنا الطلاب العودة إلى صفوف الدراسة» و «قادرون على إنهاء شغب طلاب الإخوان في خمس دقائق» وفي أقوال أخرى «ثلاث دقائق» والتجاذبات الثورية سابقاً السلطوية حالياً والمتأرجحة بين «سنضرب بيد من حديد على تظاهرات الطلاب غير السلمية» و «سنطبب بيد من عجين على تظاهرات الطلاب السلمية» بين قيادات جامعية وأخرى وزارية جامعية. والثاني هو هيبة «الإخوان» حيث خريطة طريق الجماعة التي يجري تفعيلها بالريموت كونترول تارة بالدق على زر تحميل الصغار المسؤولية في ظل غياب الكبار في السجون وقطر، وتارة بالضغط على زر «الهولوكوست الإخواني» حيث تسول التعاطف وشحاذة التكافل عبر بكائيات الفض وندبات المجازر وولولات المحارق، وثالثة من خلال تأكيد القواعد الحاكمة للجماعة التي اصطفاها الله من دون غيرها لتكون ظل الله على أرضه وأبرزها وأهمها «طاعة مُبصرة منطلقة من الإيمان شعارها قوم يرون الحق نصير أميرهم ويرون طاعة أمره إيماناً». إيمان الإخوة من الطلاب والأخوات من الطالبات في جمعة «الطلاب يشعلون الثورة» أمس بدا واضحاً جلياً رغم عتمة البرودة التي ألزمت المصريين بيوتهم يأكلون الذرة المشوية ويغوصون في كنباتهم الانقلابية ويحمدون الله كثيراً على نعمة البرد التي وقتهم مغبة الخروج ولو حتى إلى الشرفات، حيث اللون الأصفر الزاعق والأصابع الأربعة الأردوغانية السوداء وحرق الإطارات وتلطيخ الجدران وترويع المواطنين القرفانين من التقليد «الإخواني» الأسبوعي، وهي كذلك التي دفعت قواعد «الإخوان» من الإخوة والأخوات إلى ترك بيوتهم طلباً للجهاد في سبيل الله في البرد القارس حيث زين لهم مشايخهم أن الثواب ثوابان والحسنة حسنتان والمنزلة منزلتان. درجات الحرارة المتفاوتة والمتذبذبة والتي تضرب المصريين في شدة وقوة في عقر ديارهم مشتتة إياهم بين برد الطقس وبرودة الحكومة المسنّة من جهة وسخونة الجماعة وألهبة نيرانها التي تبذل قصارى جهدها لتنتشر وتأتي على البلاد طولاً وعرضاً، شرطة وجيشاً، شعباً ودولة من جهة أخرى تسببت في دوخة شديدة مصحوبة برغبة أكيدة في الخلاص من أولئك وهؤلاء. «هؤلاء المتناحرون على حكم مصر لا يشعرون بما نشعر به نحن عامة الشعب. حكومة مسنة إكرامها دفنها، وجماعة جن جنونها أكرم لها أن تدفن نفسها، وإن لم يتم دفن أي منهما -والأفضل كليهما- سيدفن الشعب برمته». كلمات وجيزة لكنها حكيمة منزوعة التسييس وخالية من التأسلم وعامرة بالصدق وملخصة للوضع الذي لا يسر أحداً وإن كان يسعد كثيرين على اختلاف انتماءاتهم وغاياتهم مع تراوح مواقفهم العقلية بين مخطوفين ذهنياً وخاطفين ذهنياً، لخص بها نادل المقهى الذي وقف خلف واجهة المحل شبه الخالي من رواده أمس وهو يراقب أخاً مصحوباً بعدد من الحرائر يلطخون رصيف مترو مصر الجديدة بالعبارات الخالدة «سيسي قاتل» و «سيسي خائن» مع إضافة جديدة «سيسي عدو الإسلام». ويمر يوم جمعة ضمن أيام الجمع المتوالية والمتتالية والتي باتت يشبه بعضها بعضاً حيث يهتف الإخوة «إسلامية إسلامية» وترد الأخوات «عبدالفتاح هو السفاح»، ويحسبن المواطنون عليهم من خلف النوافذ وتمطرهم المواطنات بما تيسر من ثمار عطبت وبيض فسد ودعوات تنتظر التفعيل. دعوات أخرى دنيوية لا تحتاج انتظار عدالة السماء، إذ لا تستوجب سوى السمع والطاعة اللذين هما عنوان الإيمان «الإخواني». البيان الرقم 147 الصادر عن «تحالف دعم الشرعية ورفض الانقلاب» يخاطب الطالبات قبل الطلاب آمراً إياهم: «طريقكم واضح ومحدد، وطريق الانقلابيين مظلم ومسدود، ولا قمع ولا إرهاب سيقف بإذن الله أمام زحفكم الثوري، فواصلوا غضبكم وثورتكم بكل سلمية وفداء وحب للوطن وشهدائه ومعتقليه، واخرجوا في مليونية حاشدة الجمعة تحت عنوان الطلاب يشعلون الثورة». ثم وجه التحالف التحية إلى الحركة الطلابية ونضالها، مؤكداً ضرورة الاستمرار تحت هذا اللواء طوال الأسبوع المقبل، «رافعين أعلام مصر وشعارات رابعة مرددين هتافات الله أكبر لاستكمال ثورتكم المجيدة حتي تحقيق كامل أهدافها. شدوا وصعدوا الغضب وليحسم المترددون أمرهم». وإلى أن يحسم المترددون، كل المترددين، أمرهم تنتظر الغالبية المطلقة من المصريين وتشد حبال الصبر التي بليت وكادت تتفسخ بين دعوات مصرية موجهة إلى السماء للخلاص بالوطن وأخرى «إخوانية» مصوبة تجاه الأرض لاختلاسه.