أحياناً أتساءل: هل يعاني بعض المسلمين من انفصام في شخصيتهم، وذلك عندما يخرج بعض المفتين يؤكدون في كل مناسبة أن السبي شرع الله، وأن بيع فتيات اليزيديين لأغراض الجنس مشروع ولا يأثم فاعله؟ لكنهم ينتفضون ويعبرون باستياء وسخط وغضب عن عدم إنسانية بيع المسلمين البورميين في تايلاند، وهل ينطبق عليهم القول الشهير (لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله * عار عليك إن فعلت عظيم)؟ لا يصح في شرع ولا يقبل عقل حالات امتلاك الإنسان لأخيه الإنسان؛ لأنها أقبح جريمة يمارسها الإنسان في حق أخيه الإنسان على وجه الأرض، وإذا استمررنا في تقديم هذه الصورة غير الإنسانية عن الإسلام سيكون المسلم عرضة للسبي والبيع في سوق النخاسة كما يحصل في تايلاند، والخاسر هو قضايانا العادلة، وستكون أفكارنا في مواجهة تحدٍّ عالمي، قد يصل إلى درجة الحصار. تلك النبرة العدوانية التي تظهر على خطاب بعض الإسلاميين المتطرفين لا تتفق مع دعوات الرحمة التي بشَّر بها الإسلام في مصادره النقية، بل جاءت بسبب انحراف عن النهج الصحيح، وساهم السياسيون في استغلالها لقتل المخالفين وسرقة أموالهم، فالدين تحول من دين وعبادة إلى عقيدة وغنيمة، وبهذا تاهت فكرة الوطن الذي للجميع، وتحول المسلمون إلى رعايا يعيشون على ما يفيض من الغنائم. أيقظت داعش تلك الروح العدوانية عند البعض، وظهرت الروح الفاشية في قراءاتهم للدين، وأصبحنا على مشارف كارثة قد تحرق الأخضر واليابس على الأرض العربية، وقد تكون داعش مخترقة استخباراتياً، وقد يكون الغرض منها تقديم تلك الأفكار التي لها جذور في الكتب الصفراء، وقد نجحت بالفعل في إبراز الغضب الفاشي عند بعض المسلمين. على علماء الدين أن يدركوا أن السلفية في كتبها الأخيرة تحمل موقفاً عدوانياً من كل شيء آخر في هذه الحياة، فالموقف يبدأ بتبديع الفرق الإسلامية المخالفة، وإلى اتخاذ مواقف في غاية العدوانية ضد مختلف الحياة الحديثة مثل حقوق الإنسان والديمقراطية واستقلال السلطات. على علماء الدين المعاصرين أن يقدموا مراجعات لهذه المواقف العدوانية، وأن يذيبوا المواقف الأحادية التي تصل إلى حد سبي الآخرين وهدر أموالهم، وأن يعيدوا المواقف الشرعية إلى أصول الرحمة والتسامح واحترام حقوق الإنسان، وقبل ذلك أن يدركوا أن الوطن حقوق وواجبات وليس سلطة مطلقة ورعايا.. على علماء الدين أن يخرجوا إلى العالم من الصمت الذي قد يعني أشياء أخرى، وأن يدركوا أننا لسنا شعب الله الأوحد على هذه الأرض، وأن الله رب العالمين ورب الناس، وأن التكريم جاء لبني آدم، وليس فقط لقلة تعتقد أنها تحمل راية الله عز وجل. على علماء الدين أن يعوا الفارق الكبير بين المسلمين والغرب، فنحن أمة متخلفة، ولا تقدم أي إضافة للعالم في هذا العصر، بل أصبح بعضنا في هذه الأمة مصدراً للانتحار والعنف والإرهاب، بينما يمتلك الغرب أسلحة العلم والتكنولوجيا، وأن الدفع نحو مواجهة معه هو أشبه بالانتحار للمسلمين. علينا أن ندرك أن الغرب يتحد عندما يشعر بالخطر، وفعل ذلك من قبل لتدمير الفكر النازي المسيحي المتطرف في ألمانيا، الذي كان يؤمن بأن الألمان النازيين فوق البشر، وأنهم العرق الأطهر بين شعوب الأرض، وأن لهم حق حكم العالم دون غيرهم، فكانت نهايتهم التدمير. لا ينكر أي كان أن لدينا قضايا عادلة في سوريا وفلسطين والعراق، ولنا حق في النضال والجهاد من أجلها، ولكن ليس من خلال الوحشية الدموية، وقتل الأبرياء، واغتصاب الفتيات، ولكن عبر تلك الرسالة الخالدة التي قدمها المسلمون الأوائل في العصور الأولى، فهل نحن معتبرون، أم سنستمر في المكابرة التي تستمد غرورها من آفات الجهل والتخلف.. أكتب ذلك لإدراكي لخطورة الموقف، وأن المكابرة كانت سبباً للكوارث في تاريخ المسلمين، ولا نحتاج إلى سرد أدلة، فالتاريخ الحديث كان شاهداً على كوارث حدثت على الأراضي العربية، وأن السبب الدائم كان ذلك الكبرياء الذي يقوم على الخواء التام. والله على ما أقول شهيد. مقالات أخرى للكاتب هل التطرف من طبائعنا أم ماذا..؟ الأفندي والجهادي ! المصيبة أعظم يا وزارة الصحة آفة المحسوبية..!! العدو الذي يعيش بيننا..