ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطاباً نارياً أمام اعضاء الدوما (البرلمان) أمس، ضمّنه رؤية حكومته للأحداث الداخلية والخارجية، وخططها في التعامل مع الملفات الساخنة وأولوياتها. وقال بوتين، في خطابه السنوي عن حال الاتحاد الروسي: «إن مسؤولية روسيا التاريخية تتعاظم»، متوقعاً أنها «ستواجه محاولات التفوق عليها عسكرياً بكل الوسائل». واعتبر أن موسكو ساهمت في تقليص الأخطار على الأمن العالمي، عبر معارضة التدخل العسكري في سورية، بعدما «تحولت نموذجاً لمحاولات التغيير من الخارج». وشدد على حق إيران في استخدام الطاقة الذرية لأغراض سلمية، مكررا تعهد الحفاظ على أمن إسرائيل. وتميّزت لهجة الخطاب السنوي العاشر لبوتين أمام البرلمان، باختياره عبارات أكثر حزماً، وخصص مساحات أوسع من المعتاد، للسياسة الخارجية والتطورات في العالم. ووصف الرئيس الروسي الملف السوري بأنه «مثال واضح لمحاولات الهيمنة والتغيير من الخارج»، مشدداً على أن موسكو «لم تعرض مصالحها أو الأمن العالمي للخطر عبر مساهمتها في منع تدخل عسكري في هذا البلد... نجحنا في تحويل المسار الحربي إلى عملية سياسية. وهذه السابقة في سورية، أبرزت الدور المركزي للأمم المتحدة في السياسة العالمية، وهو ما حصل في التعامل مع الملف النووي الإيراني، إذ ضمنت تسوية القضية النووية الإيرانية أمن كل البلدان، وبينها إسرائيل». واعتبر أن التقارب الدولي حول إيران «يسقط الذرائع التي روّجها الغرب لنشر منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا، إذ اتضح الآن أن الدرع ليست دفاعية»، محذراً من أن بلاده ستعمل على مواجهة الأخطار الجديدة، إذ «لن نسمح لأحد بأن يتفوق علينا عسكرياً، ونملك قدرات كافية للرد سياسياً وتقنياً». وأبدى الرئيس الروسي قلق بلاده من «تصميم واشنطن أسلحة جديدة، بينها عبوات ناسفة نووية محدودة القدرة، وصواريخ استراتيجية غير مزودة رؤوساً نووية، ومنظومات ذكية غير نووية، خارقة لجدار الصوت، مخصصة لتوجيه ضربات خاطفة لأهداف تبعد آلاف الكيلومترات، ما قد يؤثر سلباً في الاستقرار الإقليمي والعالمي، ويؤدي إلى إلغاء كل الاتفاقات الموقعة في مجال الحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية». وتعهد مواصلة عملية تعزيز قدرات الصواريخ الاستراتيجية وبناء غواصات نووية، تزامناً مع مواصلة تعزيز القدرات العسكرية التي ستنفق روسيا عليها حوالى 720 بليون دولار حتى عام 2020. وأكد بوتين أن بلاده لا تسعى إلى فرض هيمنة عالمية أو لعب دور دولة عظمى، «بل تحاول أن تكون دولة رائدة في الدفاع عن القانون الدولي». وتحدث عن برنامج التكامل في الفضاء الأوراسي الذي تنفذه موسكو حالياً، معتبراً أنها «لا تواجه مشاريع أخرى، بينها برنامج التكامل الأوروبي»، في إشارة إلى التجاذب بين بلاده وأوروبا في شأن أوكرانيا التي رفضت حكومتها الشهر الماضي توقيع اتفاق شراكة تجارية مع الاتحاد الأوروبي، ما أطلق احتجاجات نفذها موالون للغرب طالبت باستقالة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. ولوّح الرئيس الروسي بالميزات الاقتصادية للتقارب بين موسكو وكييف، وقال: «نحن لا نفرض شيئاً على أحد، لكن إذا رغب أصدقاؤنا في ذلك فإننا مستعدون لمواصلة العمل معاً» حول مشاركة أوكرانيا في الاتحاد الجمركي الروسي. وأشار إلى أن كييف «أبدت رغبتها في الانضمام إلى هذا الاتحاد، حتى قبل أن تتراجع عن توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، إذ حضرت كل لقاءات الترويكا (التي تضم روسيا وبيلاروس وكازاخستان) بصفة مراقب، علماً أن مشروعنا للتكامل يرتكز على مبدأ المساواة والمصالح الاقتصادية الحقيقية». داخلياً، تطرق بوتين إلى الملفات الأكثر سخونة، بينها الوضع الديموغرافي في البلاد، معتبراً أن حكومته تعمل لجعل المعدل الطبيعي ثلاثة أطفال لكل عائلة روسية. وتحدث عن المشكلة القومية، مهاجماً بعنف ما وصفها «تصرفات لا أخلاقية لممثلي القوميات تشكل سبباً رئيساً لظهور خلافات إتنية». وتطرق إلى «أممية لا أخلاقية» تواجهها روسيا، «يثيرها مهاجرون من جنوب البلاد، وفاسدون في أجهزة الأمن يحمون المافيا الإتنية، إلى جانب متشددين قوميين وانفصاليين يعملون لاستغلال أي مأساة لإطلاق شغب وإثارة اضطرابات دموية». ودعا إلى تعزيز الرقابة على المهاجرين، وحظر دخول مخالفي قوانين الهجرة إلى روسيا فترة عشر سنوات، كما تحدث عن إصلاحات دستورية مقبلة «لا تمس المبادئ الأساسية» للنظام.