كلمة «فساد» صارت تتصدر عناوين الصحف، ويتداولها أصحاب التواصل الاجتماعي بحرية أكثر، وتنعقد جلسات ومؤتمرات حول هذه الظاهرة وتفشيها وخاصة في الدوائر الحكومية كتعطيل المشاريع، وانتشار الرشوة، والتسيب في العمل وإعاقة التوظيف، إلى آخر السلسلة الطويلة التي لم تنقطع أخبارها عن مختلف الأجهزة الحكومية، والعديد من المواطنين.. لدينا دوائر رقابة متعددة، ديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، ونزاهة وهذه الدوائر ينعدم بينها التعاون والتنسيق، وحتى بوجود ذلك فالوزارات والجهات الحكومية الأخرى التي يطالها التساؤل تعتقد أنها ليست معنية بالرد على أي استفسار، معتقدة أنها تملك ما يبرر رفضها بأن لديها صلاحياتها ومحققيها ومتابعة قضاياها، في الوقت الذي تتحول المعاملات إلى دائرة طويلة من التعقيد والتأخير واللامبالاة، لأن المحاسبة وفق الواقعة وحدوثها وإثباتها لا توجد جهة قضائية تصدر أحكامها وتحاسب المخطئ لإنقاذ حقوق الدولة والمواطن.. هذا الضعف في الإجراءات الحاسمة، جاء نتيجة تراكم دواعي الفساد وعدم إيجاد حلول له لأن الأنظمة تقادم عليها الزمن، ولا يزال يديرها ويفسر قواعدها وبنودها عناصر من الحرس القديم عششت في الدوائر الحكومية، وحتى الوافدين الجدد من الشباب يفتُر حماسهم؛ لأنهم يصطدمون برؤساء عاجزين عن التحديث ومسايرة العصر، وفهم طبيعة وأمانة العمل.. الخطير في الأمر أن تداول أمور الفساد والحديث عنه على مدار الساعة، أخفى المنجزات الكبيرة، وأصبحت العتمة عليها لا تضيء إلاّ تلك الحلقات المظلمة من التستر وإعاقة المشاريع وضعف الأمانة بين البعض وليس الكل، لأن التعميم في مثل هذه المسائل غير منطقي أو واقعي، والحلول موجودة وقابلة للتطبيق، وهناك تجارب عالمية لمحاربة الفساد واستئصاله، والاعتقاد العام هو أن هذه الظواهر السلبية والخطيرة ليست مستوردة بل مستوطنة ولابد من جهاز فعال يجمع إدارات الرقابة كلها في جهاز واحد يرتبط بالجهات العليا لإصدار قرارات الردع والمحاسبة دون اعتبار لمن تتجه التهمة وثباتها، لأن الموضوع، بقدر ما هو إهدار للمال العام والتحايل عليه، فإنه يتعلق بالسلوك الاجتماعي وأخلاقياته، وهي من المسائل الخطيرة في تأسيس مدارس تناقض كفاءة العمل وقيمه ومبادئه.. استغلال الوظيفة وصلاحيتها، هو اختراق للنظام والقانون لمصلحة شخصية أو المحاسيب والأقارب لا ينحصر ضرره بمركزية المنصب فقط بل بالمصلحة العامة كلها، وهناك من يبرره، وخاصة لصغار الموظفين بأن قلة الرواتب وغياب الحوافز سبب مباشر في انتشار هذا السلوك، وهذا غير مبرر أو منطقي، لأن الوظيفة، كما هو متعارف عليه، للكفاءة والأمانة، والإخلال بالنظام من قبل الصغير يعتبر تقليداً أو استهداءً بالكبير من أصحاب القرار. إن غياب التشريعات الرادعة، هو السبب المباشر، لأن الضعف البشري أمام المغريات المباحة والمحرمة يتعلق بسلوك الإنسان ورادعه الأخلاقي، وغيابه يعني عدم التفريق بين أصحاب المناصب العليا، والدنيا، إذا كانت الرقابة والمحاسبة وندرة العقوبات خارج نطاق المسؤولية العامة، ويبقى الأمر معلقاً على كيفية المعالجات حتى لا يصبح صاحب الوظيفة أياً كان مركزه خارج دائرة المساءلة والمحاسبة.