أسامة العويد-عكار شمال لبنان يخيم الصمت ولا تصحبك سوى أصوات نواح وريقات الشجر تفر من بين قدميك، وسط أشجار "العذر" الكثيفة المعمرة، وألوان تشابهت بين الأصفر والأخضر، فأنت الآن في جوف غابة العذر المتفردة بجمالها في لبنان والمنطقة، على كتف جبال عكار في منطقة فنيدق (شمال لبنان)، والتي تمتد على مساحة كيلو متر مربع، وتعلو عن سطح البحر 1500 متر، ويقبع فوقها سهل القموعة مقصد السياح وأبناء البلد. والعذر هو أضخم أنواع شجر السنديان، ويصل طوله إلى ثلاثين مترا، ورغم أن الاسم عربي فإنه يعني بالآرامية "العامود الرئيسي"، وذلك نسبة لضخامة جذع الشجرةالذي تعمر آلاف السنين. يقول الشاب محمد الدالي -الذي يرافقنا في جولتنا داخل متاهة من أشجار التوأم في هذا الغابة- إنه كان يخرج ووالده ليصطادا أنواعاً كثيرة من الحيوانات والطيور التي انقرض بعضها نتيجة الصيد الجائر. ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن هذه لوحة فنية رائعة يجب الحفاظ عليها، لكن هناك من يقطع ويتعدى على الطبيعة، ولذلك تواجدت بعض المساحات الفارغة داخل الغابة والتي كانت قديما مكسوة بالأشجار. تشكل الغابة ثروة طبيعية مهمة ووسيلة للجذب السياحي في شمال لبنان (الجزيرة) من جهته، أشار رئيس بلدية فنيدق خلدون طالب -في حديث للجزيرة نت- إلى أن البلدية تعمل على عدة مشاريع لتنمية السياحة في المنطقة، كشق طرق فرعية وتوسعتها وربط طرقها بمناطق الجوار، إلى جانب منع دخول السيارات بعض الأماكن الطبيعية لحماية النباتات والناس. وأضاف أنه باتت لديهم محطة كهرباء لكامل منطقة القموعة، وسيسعون لاحقا لإنارتها بالطاقة الشمسية، كما أشار إلى أنهم قاموا بتشجير محيط السهل بأشجار الحور، "مما يمنح منظرا رائعا وظلا يُمتع الزوار". ويرى طالب أن قطع الأشجار في غابة العذر بات "أمراً خطيراً يهددها بالاندثار"، مؤكدا أنهم يتعاونون مع وزارة الزراعة والأجهزة الأمنية لوضع حراس للغابة لمنع قطع الأشجار بشكل نهائي، مشيرا إلى أن حماية هذه الثروة تسير نحو الأفضل وفق خطط مرسومة مع المعنيين. شجرة عذر معمرة يقول مؤرخون إن عمرهاألفا سنة(الجزيرة) أما رئيس اتحاد بلديات جرد عكار عبد الإله زكريا، فقدرأى في حديث للجزيرة نت أن غابة العذر "فريدة من نوعها في العالم"، وقال إن مساحتها كانت مليونا ونصف المليون متر مربع قبل أن تتناقص إلى مليون متر مربع نتيجة للتوسع العمراني والقطع العشوائي للأشجار "بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وشدة البرد في هذه المناطق". وأوضح زكريا أن الغابة تضم 36 نوعا من النباتات والزهور النادرة بحسب دراسة "لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، إضافة إلى أنها تضم أنواعا مهمة من الحيوانات البرية التي تندر في مناطق لبنان والجوار كالسناجب والضباع والأرانب. ويؤكد أن الاستمرار في "سياسة تهميش هذه الغابة" سيؤدي إلى فقدان عامل سياحي مهم للبلد، مشيرا إلى أنهم قطعوا خطوات متقدمة مع المواطنين والجهات المعنية لإدراج المنطقة محمية، مما يمنحها فرصة السطوع على الصعيد العالمي وبما يحقق الفائدة للمنطقة.