وضع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ملاحظة حول شركائه في الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين، عندما قال لأعضاء البرلمان الفرنسي: «إن الاتفاقية الأمنية تفوق اتفاقية الاستقرار. فرنسا في حالة حرب». ومثل محاسب يثير بحذر مسألة فاتورة غير مدفوعة الأجر في جنازة عميل، أصدرت المفوضية الأوروبية قرارها بشأن ميزانية فرنسا بعدها بيوم، معلنة أن فرنسا «تستجيب على نطاق واسع»، لكنها أيضًا حذرت من أن جهود فرنسا للسيطرة على العجز «لن ترقى على الأرجح إلى المستوى الموصى به، حسب كل المقاييس». ولا يمكن لأي أحد أن يعرقل رغبة الرئيس الفرنسي في ضمان تلقي حماية الوطن الموارد المطلوبة، لكن هولاند يفترض مفاضلة زائفة عندما يشير إلى أن احتياجات أمن فرنسا تتطلب عدم الخضوع للانضباط المالي. وسيكون أكثر دقة إذا قلنا إن العكس هو الصحيح. وتمثل الدولة بالفعل 57 في المائة من الاقتصاد، وهذا يشكل عائقا أمام النمو الاقتصادي. وتسعى اتفاقية الاستقرار والنمو التابعة للاتحاد الأوروبي لفرض انضباط مالي على الأعضاء، وتشجيع التغييرات التنظيمية وغيرها في سبيل تحفيز النمو. وفي حين أن معايير الديون والعجز هي بالطبع تعسفية، فإن زعماء الاتحاد الأوروبي يؤكدون أن تنفيذها يدعم فعالية العملة الواحدة. وجرى تجاهل الأهداف أكثر من احترامها، لكن مع ارتفاع مستويات الديون وتباطؤ النمو في جميع أنحاء منطقة اليورو، صعّد الاتحاد الأوروبي جهوده مؤخرا لدفع الدول للامتثال للاتفاقية. ويقل عجز الموازنة في فرنسا عن 4 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. وفي حين تتوقع فرنسا تحقيق هدف العام المقبل بنسبة 3.4 في المائة، فإن المفوضية قالت إن هذا كان فقط بسبب إحصائيات النمو الأفضل مما كان متوقعا، وستفوت فرنسا هدفها لخفض العجز عن 3 في المائة في عام 2017. ورغم ذلك، تتوقع الحكومة الحصول على تنازل في ظل هذه الظروف. فقد قال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس: «يجب على أوروبا فهم – وحان الوقت لفهم المفوضية الأوروبية أيضًا – أن هذه معركة تهم فرنسا، وتهم أوروبا أيضا». ولم يتضح حتى الآن ما الذي سيجنيه الإنفاق الجديد على الأمن، عقب إعلان فرنسا حالة الحرب. ففي أبريل (نيسان) الماضي، بعد ثلاثة أشهر من قتل المتشددين 11 شخصًا في مقر مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة، أعلن الرئيس هولاند عن زيادة مقدارها 4 مليارات يورو في الإنفاق العسكري لمواجهة التهديدات الإرهابية. وكان من المقرر حصول ميزانية الدفاع المقدرة بـ31.4 مليار يورو في عام 2015 على زيادة مقدارها 3.8 مليار يورو بين العام المقبل وعام 2019. وقلصت الحكومة عدد تخفيضات الوظائف المخطط لها في الجيش الفرنسي من 34 ألف وظيفة إلى النصف. وتشكلت دورية قوامها سبعة آلاف جندي مخصصة للأمن القومي، إلى جانب تعزيز قوانين المراقبة. تتمتع فرنسا بثاني أكبر جيش في أوروبا بعد بريطانيا، مع بلوغ الإنفاق على الدفاع حاليا 1.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، انخفاضا من 3 في المائة في عام 1990. ويتضمن ذلك – بالإضافة إلى القوات المسلحة النظامية – شرطة الدرك الوطنية، وهي أحد فرعين من جهاز الشرطة. وسيكون من المخزي إذا استخدمت فرنسا احتياجات الأمن المشددة كذريعة لتجنب الإصلاحات في أسواق العمل والتعليم والضرائب التي أعاقت الاقتصاد الفرنسي. وخلال العقدين الماضيين، أرجأت فرنسا تنفيذ الإصلاحات في الميزانية مرتين – وعنى الانخفاض المطرد في أسعار الفائدة تخفيض تكاليف خدمة الديون. وبدلا من ذلك، ارتفع إجمالي الديون الفرنسية باطراد إلى النسبة الحالية عند 95 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ذهب المال في المقام الأول إلى البرامج الاجتماعية الشعبية مثل المعاشات والرعاية الصحية. واتخذت الحكومة الحالية بعض الخطوات الأولية نحو إصلاحات سوق العمل، بما فيها إزالة القيود عن بعض ساعات فتح المتاجر، وتبسيط إجراءات الإقالة، وإعطاء أرباب العمل مرونة أكثر. وإذا عملت اتفاقية الاستقرار التابعة للاتحاد الأوروبي كذريعة لخفض حصة الحكومة في الاقتصاد وإزالة العوائق لخلق الوظائف في القطاع الخاص، سيكون هذا الأمر مرغوبا فيه. وبدلا من ذلك، يبدو أن هولاند يعلن نجاح موقفه المكروه. وقد يقلل هؤلاء الرافضون للإنفاق الإضافي باعتباره غير مهم، أو حتى هؤلاء الذي يحفزونه، من وزن الدولة الفرنسية. وأشار الخبير الاقتصادي بول كروغمان هذا الأسبوع إلى كيف أن العجز في الإنفاق واسع النطاق خلال الحرب العالمية الثانية وضع نهاية للركود في الولايات المتحدة. لكن يشير تقرير أصدره معهد العلاقات الدولية الفرنسي في ديسمبر (كانون الأول) 2012 إلى أنه في حين يمتلك التقليص الحاد في الإنفاق العسكري تأثيرًا سلبيًا على نمو الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا، فإن نمو الإنفاق العسكري يرتبط أيضًا بخفض الناتج المحلي الإجمالي. ولفت التقرير أيضًا إلى أن ارتفاع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي مال لأن يسفر عن مستويات أعلى من الإنفاق العسكري. ولا يعني الاقتصاد القوي المزيد من خلق فرص العمل فحسب، ولكن أيضًا يعني مجالاً أوسع لزيادة نفقات الدفاع والأمن. وهذا يشير إلى أن هولاند يفهم الموضوع بالعكس. إن الانضباط المالي يساعد الأمن، ويجب على فرنسا الحصول على الاثنين معًا.