أبواب الرزق متنوعة ومتعددة، ومن حكمة الله أن تكون كذلك لتكتمل للناس أمور معاشهم، فحاجات الناس متنوعة ومتعددة تتكامل بها دورة حياتهم، والنَّاس بين من يجيد مهنة أو عدداً من المهن تدر عليه دخلاً يعيش من ورائه ويدخر منه بحسب ما يدر عليه من مال، وهذه الأمور يعرفها كل الناس وهي من البديهيات لديهم. ولكن الذي قد لا يعرفه بعض الناس أن هناك صورة مشابهة لهذه الصورة ولكن في أبواب الطاعات ولعل قصة الإمام مالك مع الرجل العابد تصلح كمدخل يقرب تلك الصورة، فقد أرسل أحد العباد رسالة للإمام مالك يقول له فيها: يا أبا عبدالله لو أنك تركت ما أنت فيه من العلم وتفرغت معنا للعبادة. فأجابه الإمام مالك بقوله: إن الله جعل أبواب الطاعات كأبواب الرزق فيفتح الله على هذا ما لا يفتح على هذا، فما أنت عليه خير وما أنا عليه خير، والسلام. فهذا الرد على اختصاره إلا أنه أشار إلى مسألة مهمة يجب على المسلم استيعابها وهي أن العباد في نوافل الطاعات يتفاوتون فيما يفتح الله عليهم من تلك النوافل، فمن الناس من تراه يكثر من صيام التطوع في مقابل أن غيره لا يزيد على صوم الفريضة ولو صام يوماً تطوعاً لوجد مشقة كبيرة في ذلك، ومن الناس من يكثر من نوافل الصلوات والأذكار لكنه في باب الصدقة لا يزيد على أداء فريضة الزكاة، وهناك من تجده في باب الخلق لا يجاريه أحد، لكنه في غير ذلك من النوافل لا يرى له مزيد عمل ومصداق ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم «اعملوا فكل ميسر لما خلق له»، وقد يفتح لبعض الناس أكثر من باب، وهناك من تتعدد عنده الأبواب المتنوعة من الطاعات، ولو استعرضنا ما ورد في السنة النبوية في هذا الجانب لوجدنا أمثلة كثيرة تشير لذلك ومنها ما وقع لأبي بكر رضي الله عنه لما جاء من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبدالله هذا خيرٌ؛ فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة. فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة؛ فهل يدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها؟! قال: «نعم! وأرجو أن تكون منهم». وكما أن الناس في أبواب الرزق على ثلاثة أقسام فمنهم من هو من عالي الدخل، ومنهم من هو من متوسطي الدخل، ومنهم من هو من مستوى الدخل المنخفض، فكذلك الشأن في الطاعات فالله عز وجل يقول «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ». وعلى كل إنسان منا أن ينظر لهذا الأمر من منظور نفسه من جهة، فيعرف ما الذي فتح له من باب في الطاعة فيلزمه ويحافظ عليه ويزداد منه ولا يشق على نفسه في ميادين ليست متوائمة مع ما خصه الله به من خصال الخير. كما يجب أن ننظر للغير بنظرة من جنس نظرة الإمام مالك للعابد حيث قال له: فما أنت عليه خير وما أنا عليه خير، فالنظرة الإيجابية للناس مطلوبة باعتبار أن ما وُفِّقُوا له من الخير هو باب فتح لهم من الله، يرجي أن يكون سبباً لدخولهم الجنة، وقد نرى من بعض جوانب تقصير وهذا لا يعني انعدام الخير لديهم بالكلية فقد يكون لديهم جوانب من الخير تخفى علينا ومن الشواهد على ذلك ما جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رجلاً كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان اسمه عبدالله، وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتي به! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله». فهذه القصة يستفاد منها أن المتعين علينا أن لا نقيم الناس من منظور واحد فكم نقع في مجالسنا في أعراض أناس وننتقص من تدينهم ونذمهم، وقد يكون لهم من الأعمال التي تقربهم إلى الله ونحن لا نعلم، فواجب على الناس أن يكون لديهم فقه في هذه الجوانب لأنها توجد لديهم بعض التوازن في نظرتهم ومعاملتهم لمن حولهم، فالنصوص الشرعية تؤكد على أن لكل شخص ما يناسبه من الطاعات، كما أن لكل وقت ما يناسبه من الطاعات وهم في ذلك بين ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات، وما علينا إلا نذكر لكل شخص ما يحمد له من خصال الخير وأن ندعو لمن نرى عليه تقصيراً بالصلاح والفلاح والتوفيق لما يحبه الله ويرضاه.