إلى ابني الحبيب وفلذة كبدي.. عفوا -بني العزيز-: إن كنت أكتب إليك رسالة بأسلوب القدامى وأنت تعيش في عالم التقنية والنت. فأنا من جيل التعبير والإنشاء، وتربيت على كتابات المنفلوطي، والعقاد، وطه حسين، والطنطاوي والقصيبي، رحمهم الله. ولك بعض العذر فأنت لا تعرف البلاغة والأدب والإنشاء! ولا تعرف من هؤلاء؟! في ظل مقررات حديثة مسخت لغتنا الأصيلة، أخذت من العربية قشورا لا تسمن ولا تغني من جوع! استبدل واضعوها "القراءة الصحيحة لفيليس ميندل" بتراثنا العربي والإسلامي الأصيل. يا لقومي، يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير! يا بني.. الأذن العربية ليست زائدة دودية نقطعها ونرميها في سلة المهملات! وقد تستغرب كلماتي ولك بعض العذر فأنت من جيل النت ووسائل اتصاله الاجتماعي التي تقضي في متابعتها ساعات وساعات. يا بني: ما أود قوله -وهذا مربط الفرس- أقصد [الهاشتاق] # الذي يجب أن تضعه نصب عينيك وأنت تعوم في خضم النت وبرامج التواصل الاجتماعي بين خفافيش الظلام وأنياب الوحوش البشرية المسعورة. حذار حذار.. يا بني ألا يدخل عليك من طريق الدين والبطولة والجهاد، وأنت بفطرتك تظن أن ذلك الغريب الذي يرتدي ثياب الدين، أو ذاك المجهول الذي يحمل صورة الورع والتقوى سيرفعك درجات إلى الجنة، وهو يريد أن يهوي بك دركات إلى النار! يصور لك مباهج حور العين، وكأنك تراهن رأي العين، ويجسد أمامك خلال تغريداته الإماء والجواري والانتصار المزعوم. يزهدك في الحياة في سبيل الله! ويحثك على الموت في سبيل اللات! أي بني: إياك وتفخيخ العقول والألباب، والتورط في التطرف والإرهاب. قد يمكن ببعض سِيَر بعض الصحابة أن يهز مشاعرك ويكرهك في الدنيا ويحببك في الآخرة، ويزرع في نفسك حب الموت وثقافة الانتحار! ويوهمك أنك ستعيش عيشة الأبطال، وأنك ستكون من خيرة الرجال، وأن عليك أن تتعلم فنون الجهاد والقتال، وسيروي لك قصص شباب الصحابة، وكيف ضحوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل الحق؟! وكيف أن صحابيا جليلا قتل أباه في المعركة في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الكفر هي السفلى. اعلم -يا بني- أن هذا الشيطان صدقك وهو كذوب، بكلمة حق أريد بها باطل! يريدك فيما بعد أن تقتل والديك وأقاربك وكل مسلم في دولتك بدعوى أنهم كفار، خارجون عن الدين! ينفخ رأسك في البدء بكنية رنانة. فيقول لك: مرحبا وسهلا يا أبا القعقاع، وهو يريد أن تسقط في القاع، إياك ممن ظاهره الصلاح والتدين، وباطنه يضمر السم الزعاف، يعطيك من طرف اللسان حلاوة، ويروغ منك كما يروغ الثعلب! إياك أن تتبع الأسماء المستعارة، وتغتر بالشعارات البراقة والتغريدات المشبوهة، فتنزلق في مزالق الردى، وتسقط في مهاوي التكفير. هل تعلم ماذا يترتب عندما يُكفّر مسلم مسلما آخر؟! إنه يُسقط عصمته فيحل دمه وماله ويفرق بينه وبين زوجه وولده، ويقطع ما بينه وبين المسلمين من علاقة. ولقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الاتهام بالكفر فشدد التحذير ففي الحديث الصحيح: "من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما"، ومن دخل في الإسلام -يا بني- بيقين لا يجوز إخراجه منه إلا بيقين مثله، فاليقين لا يزول بالشك. وقد أكد علماؤنا الأجلاء أن المعاصي لا تُخرج المسلم من الإسلام حتى الكبائر، ما لم يستخف بحكم الله فيها أو يرده ويرفضه. يا بني.. إياك أن تصغي إلى ذلك الصوت النشاز الذي يريد أن يضرب وحدة الشعب السعودي وترابطه وتماسكه، ويطمح إلى تقسيمه فئاتٍ متصارعة وجماعات متناحرة، عبر تغريدات مسمومة، فذاك جامي وذاك سروري، وذاك ليبرالي وذاك علماني، وذاك تغريبي، لمجرد وجود اختلاف في بعض الفرعيات التي اختلف فيها علماؤنا القدماء، فلم يطعن بعضهم في دين البعض، ولم يتهم بعضهم بعضا. فالاختلاف سُنة الله في خلقه. والمهم كيف نجعل من الاختلاف أداة بناء وليس معول هدم؟! كيف تختلف آراؤنا ولا تختلف قلوبنا؟! يا بني، دعك من ذلك الصوت الذي يدندن على وتر الطائفية البغيض الذي لا يريد الخير والأمن لهذه البلاد! ورغم اختلافنا مع بعض المذاهب، إلا أننا نظل جميعا مواطنين سعوديين تحت النظام والقانون، فلماذا الدعوة إلى التصارع والتناحر؟! ستقرأ -يا بني- دعوات لإراقة الدم الحرام، فإياك أن تتأثر بها أو تصغي إليها، فإن المسلم في فسحة من دينه ما لم يسفك دما حراما. لا يمكن أن يصل المسلم إلى الجنة على جثث الأبرياء! أو بقتل نفسه وتفجير جسده، وقد صح في الحديث "مَنْ تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا.."، إياك -يا بني- أن تتابع من يستطيلن لسانه على ولاة أمرنا وعلمائنا ومجتمعنا السعودي ويكفه عن أعدائنا! وليس من الشرع ولا من العقل أن نخرج على طاعة ولاة أمرنا، ونطعن في علمائنا لمجرد خطأ بشري فهم لم يدّعوا العصمة ولا الملائكية. وإياك أن تجنح -يا بني- إلى أولئك الغلاة المتشددين الذين يسارعون إلى سوء الظن والاتهام لأدنى سبب، فلا يلتمسون المعاذير للآخرين، بل يفتشون عن العيوب، ويتصيدون الأخطاء؛ ليضربوا بها الطبل، ويجعلوا من الخطأ خطيئة، ومن الخطيئة كفرا!. إن ولع هؤلاء بالهدم لا البناء ولع قديم، وغرامهم بتزكية أنفسهم. وأخيرا.. يا بني: إن غير العاقل من يتعلم من أخطائه، والحكيم من يتعلم من أخطاء غيره.. فكن مالكا للكلمة ولا تكن مملوكا لها!، وقل خيرا وإلا فاصمت.