«لا يوجد نصٌّ صريحٌ قاطعٌ من القرآن، أو من السُّنَّة يمنع المرأة من تولّي وظيفة القضاء».. هذا هو نص فتوى أصدرتها المؤسسة الدينية بمصر 22/10/2002 موقّعة من شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، ومفتي الجمهورية السابق الدكتور أحمد الطيب (شيخ الأزهر حاليًّا)، ووزير الأوقاف السابق، الدكتور محمود زقزوق، حين خاطبت هذه الجهات المجتمعة وزير العدل الأسبق المستشار فاروق سيف النصر من أجل معرفة الموقف الشرعي من قضية تعيين المرأة في القضاء. ومن المؤسف أن هذه الفتوى لم تستشهد بالآيات القرآنية التي تمنح المرأة حق الولاية في القضاء، وفي غيرها من المناصب، وهي: 1- (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).. (التوبة:71). 2- (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)..(النساء:58). 3- قوله تعالى عن ملكة سبأ إنها امرأة شورية (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ)..(النمل:32)، وقال عن قوة دولة سبأ: (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّة وَأُولُو بَأْس شَدِيد)..(النمل: 33)، فقد كانت امرأة شورية ودولتها قوية، وبإسلامها أسلم قومها. فهذه نصوص قرآنية قطعية الدلالة، تمنح المرأة حق الولاية في القضاء، وفي غيرها من المناصب، ولكن تجاهل البعض هذه الآيات، حتى القائلين بالجواز المطلق لممارستها القضاء (الحسن البصري، وابن جرير الطبري، وابن حزم، وابن القاسم، وابن طراز)، فقد كانت حجتهم بأنّ المرأة تصلح للفتوى في كل مسألة من مسائل الأحكام الفقهية، فكذلك تصلح للقضاء من باب أولى، وكذلك القائلين بالجواز المقيد، وهم الأحناف، فلم يستندوا على ما أجازوه بتلك الآيات، بل قيّدوا ولايتها في القضاء فيما تشهد فيه. وتقييد شهادة المرأة، وحكم البعض بعدم قبول شهاداتها في الجنائيات، لا يستند على نص من القرآن، أو السنّة؛ حيث أرجعوا ذلك إلى عدم قدرتها على مشاهدة الجريمة، فتُغمض عينيها، وهذا في غير محله، فليس كل النساء كذلك، وهناك رجال لا يستطيعون رؤية جريمة قتل، فالطبيبات شُرِّحت أمامهن جثث، والطبيبات الجرَّاحات يُجرين أدق العمليات للقلب والمخ والأعصاب، ثم لو فرضنا حدوث جريمة في مجتمع نسائي، فمن سيشهد عليها، إن لم تُقبل شهادة النساء التي شهدنها؟! وكذلك اجتماعاتنا نحن النساء كلها نسائية في المدارس والجامعات، والدوائر الحكومية، والمؤسسات، والشركات... إلخ. فعدم قبول شهادة المرأة في الجنايات لا يستند على نص شرعي، وإنما هو اجتهاد من بعض الفقهاء، تناقله وردّده آخرون، رغم أنّ هناك فقهاء لم يأخذوا به مثل القائلين بالجواز المطلق لولاية المرأة في القضاء، وأخذت بهذا القول دول كالمغرب، وماليزيا، والقاضيتان الأردنية والتونسية رشّحتا لعضوية المحكمة الجنائية الدولية، ويلاحظ أن دولاً مثل المغرب، وتونس، واليمن التي ولّت المرأة في القضاء تسود فيها المذاهب التي لا تجيزها على الإطلاق. للحديث صلة. suhaila_hammad@hotmail.com