• تبقى الحياة أكبر وأصدق «معمل». نعيش ونتعايش في محيطه مع الكثير من الدروس التطبيقية المباشرة التي تفوق وتتفوق على الكثير مما سبق لنا تعلمه خلال تنشئتنا وطوال تحصيلنا الدراسي في مختلف المراحل والتخصصات. •• فعلى رغم ما يمكن اكتسابه من التحصيل العلمي، ونيل أعلى الدرجات والشهادات إلا أننا قد نفاجأ بأن كل هذا لا يساوي شيئا يذكر أمام ما يقدم في معمل الحياة من دروس مغايرة في وقعها ووقائعها وعِبرها، التي تـتجسد في الأحداث والمواقف والأزمات.. إلخ. •• ومما يؤسف له أن كثيرا من «قواعد» هذه الدروس و«زبـدتها»، قد لخصت بكل خبرة ودراية، وصيغت بكل بلاغة وإيـجاز وإتقان وترددت على مسامعنا وألسنتنا، قبل خوض وتجرع ومواجهـة هذه الدروس أو بعضها بشكل مباشر في معمل الحياة التطبيقي، فهذا الكم الهادف من الحكم والأمثال والأقوال المأثورة .. التي تفضل بها علينا أولئك الأوائل من العظماء الملـهـمين، لم يحظ من قبل البعض منا بأكثر من التكرار لأي حكمة أو قول مأثور يحفظهما، إلا أن هذا الحفظ لا قيمة له من غير فهم واستيعاب للمعنى، فلم تكن هذه الثروة من الحكم والأقول المأثورة مجرد كلمات وعبارات ألقيت على عواهنها، بقدر ما كانت «عصارة» لما لا حصر له من المواقف والأحداث والتجارب، التي تجرع كؤوسها أولئك الأوائل وتشربوا أدق تفاصيلها كما تشربت تفاصيلها من نزفهم وتفاعلهم، وثمة مواقف حملتهم الكثير من صدماتها وصداماتها.. كل هذا وسواه صاغوه واختزلوه لنا في حكمة لا تتجاوز بضع كلمات، يتغنى البعض منا بحفظ الكثير من هذه الحكم والأقوال المأثورة، إلا أن التحول من الحفظ إلى مرحلة الاستشعار وإدراك المعنى والبعد والهدف والقيمة لكل حكمة أو قول مأثور، يتحقق في معمل الحياة، فمع محك أي موقف يستدعي العقل الباطن ما يحاكيه من قول أو حكمة، فيأتي نطقه أو استرجاعه هذه المرة مغايرا في وقعه وأثـره عما كان عليه الحال خارج معمل الحياة الذي من خلال تجاربه وتطبيقاته يعاد النظر ويتسع الفارق و .... واللـه من وراء القصد. تـأمـل: «كلام البارحة اتغـير.. وصار اليوم شيء تاني».