لم يتوقع أكثر المراقبين تشاؤما أن تلقي التطورات الأمنية العالمية بظلالها الثقيلة على اجتماعات قمة العشرين العاشرة التي اختتمت أعمالها مساء 16/11 في منتجع أنطاليا التركي لتصبغ بيانها الختامي بصبغة أمنية وكأنما هو صادر عن حكومة دولة قومية تعاني من الإرهاب والاضطرابات في حدود سيادتها وامتداد أراضيها. ليس هذا فحسب فالبيان لم يكن سوى نتيجة طبيعية لتغير أجندة القمة عشية انعقادها حينما أثبتت المنظمات الإرهابية أن لها حكومة عالمية قائمة فعلا ولا تعترف بحدود سياسية ولا موانع جغرافية ولا حتى بأجواء حرة. ففجأة ودون سابق إنذار تحولت باريس العاصمة الفرنسية إلى ميدان حرب وقتال حصد عشرات الأرواح البريئة دون تمييز. ليتبين سريعا أن التخطيط والتنظيم والتنفيذ مر بعدة مراحل عبر عدة دول دون أن تكشفه أي أجهزة رصد أو استخبارات عالمية. بل إن دقة العملية وسريتها كشفت للعالم أجمع أن التحذيرات التي كانت تطلقها الأجهزة الأمنية والاستخبارية العالمية عن عمليات وشيكة لهذا التنظيم أو ذاك لا تزيد على كونها تحذيرات روتينية من موظفين يسعون لتبرئة ساحتهم من تهمة التقصير إذا ما وقعت أي عملية في حدود مسؤولياتهم. كانت الأجندة الاقتصادية الأساسية ستتعامل مع الاقتصاد العالمي وتناقش المعوقات في سبيل تحقيق الهدف التنموي الذي تم إقراره في القمة الماضية في بريسبين 2011 برفع وتيرة النمو في نواتجها الوطنية بنسبة 2% بحلول 2018، كما كان استكمال التنظيمات المالية العالمية مجالا آخر للنقاش إضافة إلى رفع مستوى التوظيف والعمل على الحد من درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين إنفاذا لمقررات مؤتمر ليما بتخفيض الانبعاثات الكربونية وغيرها من الانبعاثات التي تؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري التي يعتقد بأنها مسؤولة عن تحقيق عام 2014 الماضي لرقم قياسي في درجات الحرارة التي شهدتها الأرض في العقود الأخيرة. ولكن مع تفجر أحداث فرنسا وتوارد الأنباء عن حجم ودقة الهجمات الإرهابية التي اجتاحت عاصمة دولة من أكبر الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وأحد الأعضاء الفعالين في مجموعة العشرين والدولة المرشحة لاستضافة قمة المناخ المقرر عقدها الشهر القادم، وجد الزعماء أنفسهم أمام أجندة أمنية مختلفة تماما عما اجتمعوا من أجله ووزعت مجموعات ولجان العمل من أجل استكمال جزئياته وتجهيزه للإقرار. نعم، فقد وجد الزعماء أنفسهم أمام أجندة جديدة وضعت على عجل تصدرتها أوضاع سوريا بعد أن كان مقررا أن تقتصر على المحادثات الهامشية، وأصبحت محاربة داعش ومساندة المهاجرين والتعاون الدولي لحماية مكتسبات العالم من الإرهاب والتخريب هي العناوين الكبيرة للمناقشة. فرغم تردي الأحوال الاقتصادية العالمية واندلاع الحروب هنا وهناك وتزايد معدلات الفقر والبطالة والجوع في العالم إلا أن كل هذه المسائل أصبحت ثانوية أمام التأثيرات الإضافية لعدة عمليات إرهابية كبرى شملت الأجواء بتفجير طائرة ركاب روسية مدنية فوق سيناء، وتفجير حي سكني فقير في ضاحية بيروت الجنوبية وأخيرا بشن هجمات بغرض القتل والتدمير أيضا في عاصمة دولة كبرى. فأسواق الأسهم وأسعار العملات عادت للتهاوي من جديد وصناعة النقل الجوي مهددة بالإفلاس وكذلك صناعة السياحة وملحقاتها إضافة إلى تزايد مخاطر الاستثمار بكافة أشكاله ما يتوقع أن ينتج عنه مزيد من الإحجام عن الاستثمارات الجديدة المولدة للنمو ومزيد من التباطؤ الاقتصادي غير المحمود للاقتصاد العالمي. ومع استمرار دق طبول الحرب من فرنسا والأطلسي وتوقع المزيد من التدخل العسكري والأمني لعدة دول متضاربة المصالح والأهداف في عدة أقاليم في العالم، ومع العجز الواضح في الأمم المتحدة ومنظماتها التي تعيش عالة على ميزانيات الشعوب، تطرح مجموعة العشرين نفسها كحكومة عالمية منظمة ومدعومة باقتصاد يمثل 85% من اقتصاد العالم و75% من التجارة الدولية و65% من سكان العالم. والحقيقة أن هذا التجمع الاقتصادي البعيد عن التكتلات الإقليمية والعقائدية والقومية مؤهل فعلا لقيادة العالم وإعادة الأمن والاستقرار في كافة أرجائه وإعادة صياغة العلاقات الدولية إذا ما وفق زعماؤه للترفع عن المصالح الخاصة والدعم غير المحدود لقوى العدوان والاحتلال واغتصاب الحقوق كما يحدث من بعضها الآن بالنسبة لإسرائيل ونظام بشار الطائفي في سوريا. حينئذ أتوقع أن نرى مجموعة العشرين تعمل كحكومة أمر واقع عالمية يمكن أن تقود العالم إلى بر الأمان.