يومٌ مؤلم وأسود ذلك اليوم الذي تنوي فيه مراجعة أي جهة حكومية لإنهاء (معاملة) تخصك. سبب هذا السواد والتشاؤم هو ما نعلمه جميعا مما يدور فوق وتحت الكواليس، فالمعاملة لدينا تختلف عن بقية المعاملات في الدول الأخرى، فهي تمر بعدة دوائر وعراقيل وحواجز فقط لكي تمنع من التوقيع والانتهاء وتعود أدراجها من حيث أتت، ولا أعلم لمصلحة من يحدُث كُل هذا؟! الموظفون الأعزاء يتقاذفون الأوراق بينهم، في زمن وصلت الدول المجاورة، والأقل إمكانات منا إلى عالم الحكومة الإلكترونية، التي نسمع بها مراراً وتكراراً، ولا نرى لها أثرا أو وجودا على أرض الواقع مثل (بيض الصعو) تماماً. تمر المعاملة لدينا بعدة مراحل، بداية من عبارة (اكتب معروضك) مروراً بــ (كمِّل أوراقك) إلى (راجعنا بكرة) وانتهاءً بــ (والله ضاعت المعاملة)، ولا ننسى الكلمة الدارجة (تعرف أحد يخلص أموري)، وهذه تُستعمل في الحالات النهائية قبل اليأس التام من (غسل) اليد من المعاملة. لو ولو أنها تفتح نوافذ الشيطان إلا أنني أُريد أن أحُلق في سماء الأحلام والتخيلات، على الرغم من أنها في دول مجاورة حقيقة وليست حلما كما لدينا، وأقول تخيل أنك لا تمُر بكل ما ذكرت أعلاه من تعقيد و «مرمطة».. تخيل أنه يكفيك أن تضع (رجلاً على رجل) في وسط بيتك وبين أولادك وتشرب الشاي إن أردت، وكل ما هو مطلوب منك فقط أن تعبئ نموذجاً ترسله عبر الإنترنت إلى الجهة التي ستقدم الخدمة لك، وتقوم بعد ذلك بمتابعة المعاملة عن طريق الموقع الرسمي لهذه الجهة فقط، وعند انتهائها تعلم في اليوم نفسه عن انتهائها، أو حتى رفضها مع توضيح سبب الرفض في نفس اللحظة، ولا تحتاج لأن تسافر ربما وتقطع مئات الكيلومترات فقط لتسأل السؤال المكرر (وش صار على معاملتي؟)، ولا تحتاج لأن تصول وتجول وتصعد وتنزل بين مكتب ومكتب لتسأل موظف عن المعاملة، أو أن تنتظر الموظف العزيز يعود إلى مكتبه ساعات وزميله يبرر غيابه بأنه في اجتماع أو مشغول، بينما هو في أحد المقاهي، أو لا يزال على السرير، وأنت تنتظر على أحر من الجمر حضوره الكريم لكي تسأله سؤالا واحدا لا تحتاج الإجابة عنه أكثر من دقيقة واحدة، ما يفوِّت عليك ربما كثيراً من المشاغل الأخرى. تطبيق مثل هذا الأمر ليس مناسبا فقط للمراجع، بل مُريح جداً للموظفين أنفسهم، وللوزارة أو الجهة المعنية بالأمر، فلا أحد يُزعجهم بالاستفسار عن معاملاتهم، أو عن سبب تأخير البت فيها، وهذا يؤدي إلى سرعة تنفيذ وإنهاء المعاملات، لأن أعداد المراجعين ستكون قليلة جدا، وفي حدود ضيقة، لأن كل شئ يتم إلكترونياً، لذلك لا داعي للحضور ولا داعي للأوراق والملفات أخضرها وأصفرها وأحمرها! ختاماً، لا أعلم ما هو العائق الذي يمنع تطبيق هذه الخِدمة طوال هذه المدة؟ على الرغم من أنها مُريحة للمواطن وللمؤسسات الحكومية، من حيث المال والوقت والجهد والبُعد عن فقدان المعاملات، والأهم لدى المواطن السعودي «سرعة الإنجاز والدقة» وهذا الأهم.