لقد غطت الحلقتان الأولى والثانية الأعوام (1938 - 1981) وقد استعرضت في تلك الحلقتين ما طرأ على الاقتصاد من تطورات إذ مر الاقتصاد بفترات ازدهار ونماء ورخاء كما مر بفترات كساد، وقد لخصت ما حدث في الفترة (1938 -1981) في الحلقة الأولى من هذا المقال، أما ما حدث في الفترة (1982 - 2014) فقد تم تغطيته في المرحلتين الرابعة والخامسة في الحلقة الثانية من هذا المقال، وعلى وجه التحديد تم في المرحلة الرابعة (1982 - 2002) من الحلقة الثانية والتي استغرقت واحدا وعشرين عاماً شرح الأسباب بالتفصيل والتي أدت إلى الأزمة المالية الثانية وكيف أن هذه المرحلة من تاريخ المملكة الاقتصادي انخفضت فيها كل المؤشرات الاقتصادية حيث تلاشت الاحتياطيات وارتفع حجم الدين العام حيث وصل حجمه إلى (685) مليار ريال في عام 2002. أما في المرحلة الخامسة (2003 - 2014) من الحلقة الثانية والتي استغرقت اثنا عشر عاماً فقد تمكن الاقتصاد من الخروج من الأزمة المالية الثانية وقد لاحظنا أن كل المؤشرات الاقتصادية الستة التي استخدمت في هذا المقال نمت نمواً كبيراً واستطاعت المملكة خلال هذه المرحلة تكوين احتياطيات ضخمة إلى جانب تسديدها للدين العام حيث انخفض إلى (44) مليار ريال فقط، ويشكل نسبة (1.6%) من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية. المرحلة السادسة (بوادر الأزمة المالية الثالثة 2014 حتى تاريخه) بوادر سنوات عجاف تعد المرحلة السادسة في هذا المقال آخر المراحل ومنذ المرحلة الأولى التي بدأت منذ اكتشاف البترول عام 1938 حتى تاريخه يتضح بجلاء ما شهدته المملكة من تطور ملحوظ في المجالات الاقتصادية والمالية والبنكية، حيث نما إجمالي موجودات البنوك التجارية من (921) مليون ريال في عام 1961 إلى (2.208) مليار ريال في أغسطس 2015، كما ارتفع رأس مال البنوك التجارية واحتياطياتها من (145) مليون ريال في عام 1961م إلى (273) مليار في أغسطس 2015، كما ارتفع فائض ميزان الحساب الجاري للمملكة من (1) مليار في عام 1961 إلى أعلى قيمة له (618) مليار ريال في عام 2012م، كما ارتفع الإنفاق الحكومي من نحو (1.6) مليار ريال في عام 1961 إلى أعلى قيمة له (1.100) مليار ريال في عام 2014، وكذلك ارتفعت موجودات مؤسسة النقد من نحو (1) مليار في عام 1961م إلى أعلى قيمة لها (2.840) مليار ريال في شهر أغسطس 2015م. أما إنتاج البترول فقد زاد من (481) مليون برميل في عام 1960م إلى (3.545) بليون برميل في عام 2014م، وتبعاً لذلك زاد دخل البترول من (1250) مليون ريال في عام 1960م إلى (1.144) مليار ريال في عام 2012م، وهو أعلى إيراد للبترول في تاريخه. ولقد قدرت ميزانية عام 2015 بأن تبلغ النفقات العامة (860) مليار وأن تبلغ الإيرادات (715) مليار ريال بعجز متوقع قدره (145) مليار ريال، وهو ما يجعل المملكة تسجل عجزاً في هذه المرحلة في الموازنة للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2009 ولقد أكد وزير المالية في مقابلة له مع تلفزيون سي إن بي سي في واشنطن في سبتمبر 2015 أن المملكة قادرة على تحمل تقلبات أسعار النفط وأن الحكومة ستواصل إصدار السندات لتمويل العجز المتوقع في الميزانية، كما أنها تعتزم إصدار حزمة من الصكوك لتمويل مشاريع تنموية. بداية لسنوات عجز قادمة واضح مما ذكر أعلاه أن المرحلة السادسة والتي بدأت في عجز في عام 2015 قد تكون بداية لسنوات عجز قادمة إذ إنَّ الإيرادات قد تكون أقل من المصروفات كما حدث في عام 2015م، وسيكون أمام الدولة خيارات متعددة لتمويل العجوزات لهذا العام والأعوام القادمة (على افتراض أنه لن يطرأ تحسن على أسعار البترول والإيرادات منه)، فإما أن تقترض الدولة من الداخل أو الخارج أو السحب من الاحتياطيات أو المزج بينهم جميعاً أو المزج ببعضها. ومن المعلومات المتوفرة في الوقت الحاضر نجد أن الإيرادات في ميزانية 2015 ستكون كالتالي: - إيرادات بترولية فعلية للشهور العشرة الماضية 462 مليار ريال. - إيرادات بترولية مقدرة للشهرين الأخيرين من عام 2015 على أساس نفس المعدل الشهري السابق لنفس العام 92 مليار ريال. - مجموع الإيرادات البترولية 554 ملياراً. - إيرادات غير بترولية مقدرة 130 مليار ريال. - مجموع الإيرادات البترولية والغير بترولية لعام 2015 نحو 684 مليار ريال. أما المصروفات فهي كما يلي:- - السحب من الاحتياطي الفعلي للشهور التسعة الأولى من عام 2015 سيكون 283 مليار ريال. - السحب من الاحتياطي التقديري للشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2015 على أساس نفس المعدل الشهري السابق لنفس العام 94 مليار ريال. - القروض الفعلية للشهور الثمانية الأولى من عام 2015 نحو 77 مليار ريال. - القروض المقدرة للشهور الأربعة الأخيرة من عام 2015 على أساس نفس المعدل الشهري السابق لنفس العام نحو 38 مليار ريال. - إنفاق الإيراد لعام 2015 نحو 684 مليار ريال. - مجموع المصروفات لعام 2015 نحو 1.176 مليار ريال. لذا يصبح العجز المقدر لعام 2015م (1.176 مصروفات - 684 إيرادات) 492 مليار ريال. وواضح مما ذكر أعلاه أن الميزانية الفعلية لعام 2015م والتي بلغت في جانب المصروفات (1.176) مليار ريال أن الدولة قررت لتمويل العجز الفعلي والبالغ (492) مليار ريال في عام 2015م المزج بين الاقتراض من الداخل فقط والسحب من الاحتياطيات، وأن معظم تمويل العجز تم بالسحب من الاحتياطيات إذ إنَّ الاحتياطيات انخفضت خلال الفترة التي تغطيها ميزانية 2015م (يناير 2015م-ديسمبر 2015م) بمبلغ قدره (377) مليار ريال. بينما تم تمويل العجز بالاقتراض بعملة محلية من المصارف التجارية والمؤسسات المالية العامة بمبلغ (115) مليار ريال فقط. تمويل العجز بالاقتراض من الداخل وفي رأيي أنه لو تم تمويل العجز بالاقتراض من الداخل بنسبة أعلى بكثير من السحب من الاحتياطيات لكان القرار أكثر صواباً للأسباب الآتية: تكلفة الاقتراض من المصارف التجارية والمؤسسات الحكومية منخفضة جداً في الوقت الحاضر نظراً لانخفاض أسعار الفائدة. الاقتراض من الداخل يتم بالعملة المحلية والمصارف السعودية والمؤسسات الحكومية في الوقت الحاضر لديها سيولة عالية. الاقتراض من الخارج يشكل ضغوطاً على المملكة إذا لم تستطع المملكة -لا قدر الله- أن تسدد حين حلول مواعيد تسديد ديونها. امتلاك المملكة لرصيد ضخم من الاحتياطيات بالعملة الصعبة والذهب والعملات القابلة للتحويل والسندات الأجنبية المقومة عالمياً تقويماً عالياً يعطي قوة للاقتصاد وسمعة طيبة للمملكة ويحافظ على قيمة العملة الوطنية، ولذا فالأفضل اللجوء للسحب من الاحتياطيات عندما يصل الاقتراض من المصارف التجارية السعودية والمؤسسات الحكومية إلى حدها الأعلى. العائد على استثمارات المؤسسة لاحتياطياتها أعلى بكثير من الفوائد التي تدفعها الحكومة من الاقتراض. ويخطئ الكثيرون في فهمهم لموجودات مؤسسة النقد فبعضهم يخلط بين ما يسجل في ميزانية المؤسسة كاحتياطي عام وبين إجمالي موجودات مؤسسة النقد من الذهب والعملات الصعبة والموجودات الأخرى. فالاحتياطي العام للدولة يشكل بنداً واحداً من مطلوبات مؤسسة النقد للحكومة ويساوي في سبتمبر 2015م فقط (660) مليار ريال، بينما موجودات مؤسسة النقد ومطلوباتها تسجل مبلغاً أكبر من هذا بكثير إذ تساوي (2.519) مليار ريال في نفس التاريخ، ويوضح الجدول أدناه موجودات ومطلوبات مؤسسة النقد من الذهب والعملات الصعبة والموجودات الأخرى في سبتمبر 2015. عدم الخلط بين موجودات مؤسسة النقد ومطلوباتها والاحتياطي العام للدولة لذا يجب عدم الخلط بين كل موجودات مؤسسة النقد ومطلوباتها والاحتياطي العام للدولة إذ إنَّ الأخير لا يشكل إلا بنداً واحداً في جانب المطلوبات. سبق أن ذكرت أن احتياطيات أو موجودات مؤسسة النقد تزيد كلما كان الحساب الجاري موجباً أي ان مدفوعات الخارج للملكة أكبر من مقبوضاتها من المملكة، كما أنها تقل كلما كان الحساب الجاري سالباً أي إن مدفوعاتنا للخارج أكبر من مقبوضاتنا منه. فكلما تم تحويل عملة صعبة من المملكة إلى الخارج تقل موجودات مؤسسة النقد. ويمكن القول إن أهم المدفوعات للخارج بعملة صعبة يتم سحبها من موجودات مؤسسة النقد تكون للأغراض الآتية: تمويل التجارة وهذا مهم جداً لأن حجم استيرادنا من الخارج كبير جد إذ بلغ استيرادنا من السلع والخدمات في عام 2013م مبلغاً قدره (592) مليار ريال. المساعدات والقروض والمساهمات في الجمعيات والعون متعدد الأغراض ولقد بلغت خلال الفترة 1994م حتى 2013م (187) مليار ريال. تشير تقارير مصلحة الإحصاءات العامة إلى بلوغ سكان المملكة منتصف عام 2013م نحو (30) مليون نسمة شكل السعوديون منهم نحو (67.6%) (20.3) مليون نسمة والوافدون (9.7) ملايين نسمة، ويتوزع سكان المملكة حسب الجنس (57%) ذكور و(43%) إناث من جملة السكان، وشكل السكان السعوديون الذكور نسبة (50.6%) والإناث نسبة (49.4%) من إجمالي السعوديين، فيما شكل الذكور غير السعوديين ما نسبته (70.4%) والإناث غير السعوديات ما نسبته (29.6%) من إجمالي غير السعوديين، وقد بلغت تحويلات العمالة الوافدة (153) مليار ريال في عام 2014م. الإنفاق على السياحة خارج المملكة ضخم جداً ولكن لم تتوفر معلومات عن هذا الإنفاق المهم. كل هذه التحويلات تتم بقيام البنوك التجارية بتأمين العملة الصعبة من مؤسسة النقد، إذ تقوم البنوك التجارية صباح كل يوم بشراء العملات الصعبة من إدارة الحوالات في مؤسسة النقد وتبيعها للمستوردين والعمالة الوافدة والأشخاص، وعندما تتقدم البنوك التجارية صباح كل يوم للمؤسسة لشراء العملات الصعبة يلزمها أن تحدد بالتفصيل الأغراض التي ستستخدمها فيها وتحدد المؤسسة الكميات من العملات الصعبة التي تبيعها للبنوك حسب حجم كل بنك. والعكس صحيح عندما تزيد مقبوضاتنا من الخارج سيكون الحساب الجاري في ميزان المدفوعات موجباً، ويحدث ذلك عندما تزيد صادراتنا من البترول (والتي تشكل معظم الصادرات) والبتروكيميائيات والمعادن ومنتجات جميع المصانع التي يتم تصدير بعض منتجاتها للخارج، كذلك الأمر بالنسبة للاستثمارات الخارجية داخل المملكة وما ينفقه الحجاج في المملكة. أختم هذا المقال بطرح السؤالين الآتيين: س1- كيف يمكن فصل ميزانية الدولة كلياً أو جزئياً عن دخل البترول الذي يشكل 90% من الإيرادات في الوقت الحاضر؟ كان المفروض أن يطرح هذا السؤال في عام 1960 وهي السنة التي بدأنا فيها تسجيل فائض في الميزان الجاري وبناء احتياطيات أودعت في مؤسسة النقد آنذاك. إن فصل ميزانية الدولة وجعلها مستقلة عن إيرادات البترول لا يمكن أن يتم في ذلك الوقت أو في الوقت الحاضر أو المستقبل إلا بتجنيب جزء سنوي من دخل البترول وتخصيصه وإيداعه في "صندوق سيادي" أو "صندوق للأجيال القادمة" على أن لا يمس هذا المبلغ مهما كانت الأحوال وأن يستفاد فقط من عائداته فيما لو تطلب الأمر دعم الميزانية عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، ولو بدأنا في ذلك عام 1961 وطبقنا هذه الفكرة لأصبح لدينا في الوقت الحاضر صندوق سيادي حجم أصوله ضخم وعائداته المتراكمة ستكون رافداً وداعماً لعجوزات هذه السنة والأعوام القادمة. أما ما جرى في الماضي ويجري في الوقت الحاضر عند حدوث عجز في الميزانيات فهو قيام الدولة بسحب ما تراكم من احتياطيات حتى تنفد، ويكفينا مثلاً ما حدث في الفترة 1960-1981 عندما بنينا احتياطيات في هذه الفترة وصلت إلى (400) مليار ريال وعندما حدثت الأزمة المالية الثانية (1982-2002) بدأت الدولة أولا بسحب معظم تلك الاحتياطيات ثم لجأت إلى الاقتراض لتمويل عجز الميزانيات المتتالية، وإذا لم نعمل شيئاً في الوقت الحاضر واستمرت أسعار البترول في الانخفاض أو البقاء على سعرها الحالي سنجد أنفسنا بعد خمس سنوات على الأكثر (على افتراض أننا سنسحب من الاحتياطيات ونقترض بنفس معدل 2015م) قد استنفذنا كل الاحتياطيات وفقدت المصارف التجارية شهيتها في إقراض الحكومة كما فعلت في أواخر فترة المرحلة الرابعة. وبما أن موجودات مؤسسة النقد بتاريخ أغسطس 2015م تبلغ ما يقارب (650) مليار دولار وبما أن الوقت لا يمكن أن يكون متأخراً فإني أوصي بشدة بتجنيب (50%) من موجودات مؤسسة النقد (325) مليار دولار وتخصيصها للصندوق السيادي على أن لا تمس موجودات الصندوق السيادي بقدر المستطاع وأن نغذي ونزيد من موجودات هذا الصندوق عندما يزيد الإيراد عن المصروفات وأن نستفيد من عوائدها فقط عندما تدعو الحاجة، وفيما لو فعلنا ذلك سنجد أنفسنا مستطيعين جزئياً في المدى القصير وكلياً في المدى البعيد أن نفصل ميزانية الدولة عن دخل البترول. س2- ما السياسة المالية التي تلائم هذه المرحلة السادسة؟ لقد تعود الاقتصاد السعودي خلال المرحلة الخامسة على إيرادات ومصروفات بلغت في حدها الأعلى في عام 2012 (125) ألف مليار ريال في جانب الإيرادات و(873) مليار ريال في جانب المصروفات في العام نفسه، وقد كان الإيراد الفعلي في عام 2015 يساوي (684) مليار ريال، وكانت المصروفات الفعلية في العام نفسه تساوي (1.176) مليار ريال بعجز قدره (492) مليار ريال. وواضح أن حجم المصروفات عالٍ جداً ولهذا فقد يجد صانعو السياسة المالية صعوبة في تخفيض المصروفات في السنوات القادمة؛ إذا لم تتمكن الدولة من تخفيض مصروفات عام 2015 تخفيضاً جذرياً لأن هناك عقوداً ومشاريع مستمرة ضخمة لأعوام قادمة ملتزم بها. اقتراحات في جانب المصروفات لذا أقترح أن تتخذ الدولة -وأعتقد أنها ستأخذ بذلك- في جانب المصروفات الإجراءات الآتية: - رسم سياسات تدعم القطاع الخاص - إيقاف التعاقد على أي مشاريع جديدة - إيقاف المصاريف المتعددة وغير الضرورية - إيقاف الهدر والمبالغة في تكاليف المشاريع - إيقاف نزع الملكيات - الحد من النفقات والمصاريف السفرية - خفض المساعدات الخارجية - تقليص الإنفاق الحكومي وفي هذا الإجراء تحدي كبير للمسؤولين عن السياسة المالية في وزارة المالية؛ إذ قد يكون هناك مشاريع ضخمة ملتزم بها ولكن يجب أن نعرف أن الميزانية في عام 2009 كانت فقط (500) مليار ريال في جانب الإيرادات و(596) مليار ريال في جانب المصروفات أي قبل ست سنوات فقط، إذن فلماذا لا نعمل بميزانية حجمها مساوٍ أو قريب من حجم ميزانية عام 2009. إذ لو أصبحت ميزانياتنا في السنوات القادمة مساوية لميزانية عام 2009م لأمكننا تغطيتها من إيرادات النفط والإيرادات الأخرى وعوائد استثمار الاحتياطي التي بلغت في عام 2014 (130) مليار ريال. وفيما لو تم ذلك لاستطعنا المحافظة على الاحتياطيات وما احتاجت الحكومة الى الاقتراض كما فعلت في عام 2015. وفيما لو تم ذلك مع الإجراءات الأخرى التي ذكرتها أعلاه لاكتفينا بميزانية حجمها في جانب الإيرادات والمصروفات (684) مليار ريال، علماً بأن صادراتنا البترولية بلغت في الأشهر العشرة الأولى من عام 2015 (462) مليار ريال، ولو أخذنا بنفس المعدل الشهري للصادرات لبلغت صادراتنا البترولية لعام 2015م (554) مليار ريال، وفيما لو تم اضافة الايرادات الغير بترولية والبالغة (130) مليار ريال لأصبح اجمالي ايرادات عام 2015 يساوي (684) مليار ريال، مما يعني أنه لو كانت إيراداتنا لعام 2016 والأعوام التي تليها مساوية لإجمالي ايرادات 2015 لأصبحت تلك الايرادات كافية لدفع عجلة نمو الاقتصاد السعودي ولحافظنا على الاحتياطيات. اقتراحات في جانب الإيرادات أما في جانب الإيرادات فأقترح عمل الآتي: - تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط؛ لأن الدخل غير البترولي يعد منخفضاً جداً لو قيس بدخل البترول، فعلى سبيل المثال: عندما كان دخلنا من البترول في عام 2014 يساوي (930) مليار ريال كان دخلنا غير البترولي في العام نفسه يساوي -فقط- (130) مليار ريال. - خفض الدعم على الأسعار كالمحروقات كما فعلت دولة الإمارات مؤخراً، وكما فعلت دولة الكويت فيما يتعلق بالديزل ووقود الطائرات. - فرض ضريبة القيمة المضافة على الاستهلاك بنسبة 5%، ونظراً لأن الاستهلاك العام يشكل حوالي 65% من الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية فان الدخل من هذه الضريبة سيكون له تأثير قوي على زيادة الدخل. - فرض ضريبة على السلع الكمالية كالتبغ والسيارات وما شابهها. - فرض ضريبة على الشركات. وفي ختام هذا المقال لا بد من الإشارة إلى أن المملكة مرت بأحداث استثنائية في عام 2015 إذ انخفضت أسعار البترول بأكثر من النصف وفرضت علينا حرب اليمن التي كان لا بد منها، كما أن خادم الحرمين الشريفين أصدر أمره الكريم بمنح جميع موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين منحة ملكية بصرف راتب شهرين عند توليه العرش ويبلغ حجم تكلفة هذه المكرمة الملكية ما يقارب (60) مليار ريال، كل هذه الأحداث الاستثنائية أدت إلى العجز الذي نتفهمه في ميزانية 2015. كما أن وزارة المالية بدأت في الربع الأخير من ميزانية عام 2015 بإصدار قرارات مدعومة بأوامر سامية كلها تعمل على ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات. ففي جانب ترشيد الإنفاق:- - إيقاف التعاقد على أي مشروعات جديدة - إيقاف المناقلات بين اعتمادات بنود وبرامج ومشاريع ميزانية السنة المالية الحالية - إيقاف التعيين والترقيات على كافة السلالم الوظيفية والبنود - إيقاف شراء السيارات والأثاث والتجهيزات لأي غرض من الأغراض - إيقاف نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة - عدم إبرام أي عقود استئجار جديدة - فك ارتباط استئجار المباني التي سبق الإعلان عنها - ألا يتجاوز الصرف من اعتمادات البنود والمشاريع خلال الربع الرابع من ميزانية 2015م 25% من الاعتماد الأصلي المرصود بالميزانية - أما جانب الإيرادات فقد اتخذت وزارة المالية الإجراءات التالية:- - تسريع مدة إجراءات توريد الإيرادات المحصلة من الأجهزة والمؤسسات والهيئات العامة في وزارة المالية - تسليم أوامر الدفع إلى وزارة المالية (إدارة أوامر الدفع) قبل نهاية يوم الأحد الثالث من شهر صفر - تحميل مرتبات شهر ربيع الأول 1437ه على اعتمادات السنة المالية الجديدة 1437-1438ه - إيداع كافة الأرصدة النقدية الموجودة لدى أمناء الصناديق وأرصدة الحسابات الخاصة بالأجهزة الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة الموجودة لدى مؤسسة النقد والبنوك المحلية وكل من بعهدته نقود سواء كانت جهات رئيسية أو فرعية أن يتم إيداعها في حساب وزارة المالية الجاري لدى مؤسسة النقد خلال الفترة من الثالث من شهر صفر الى نهاية العام الثالث عشر من ربيع الأول - استمرار إيداع ما يرد بعد تاريخ 13 من ربيع الأول 1437ه ويخص السنة المالية الحالية في حساب وزارة المالية الجاري لدى مؤسسة النقد مباشرة لحساب السنة المالية 1436-1437ه وواضح أن كل هذه الإجراءات والتعليمات التي اتبعتها وزارة المالية في الربع الرابع من ميزانية هذا العام لترشيد الانفاق وزيادة الايرادات قد تؤدي الى أن ينخفض العجز بحيث يكون أقل من التقديرات التي توصلت إليها أعلاه والبالغة (492) مليار ريال. وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أنه في كل مرة تحدث فيه أزمة مالية نجد أنها مسبوقة بحرب، فالأزمة المالية الأولى التي حدثت في المرحلة الثانية من هذا المقال (1956-1958) حدث فيها العدوان الثلاثي (فرنسا- بريطانيا- إسرائيل) على مصر عام 1956، كما أن الأزمة المالية الثانية التي حدثت في المرحلة الرابعة من هذا المقال (1982-2002) تخللتها حربان، إحداهما الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) والأخرى حرب الخليج (1990-1991)، كما أن بوادر الأزمة المالية الثالثة (2015) تزامنت مع حرب اليمن التي كان تدخل المملكة فيها مشروعاً ومؤيداً من الأمم المتحدة. ملخص التوصيات أعتذر عن التكرار ولكني رغبت أن أختم هذا المقال بملخص للتوصيات المذكورة في أماكن مختلفة في هذا المقال لتذكير القارئ بها لأهميتها:- 1- إنشاء صندوق سيادي لا تمس أصوله ويمكن اللجوء إلى عائداته عندما تدعو الضرورة لذلك. 2- العمل ابتداءً من ميزانية عام 2016 بميزانية معقولة ومتوازنة في حدود (680) مليار ريال تكون فيها الإيرادات مساوية للمصروفات وبدون عجز وأن لا يصرف فعلياً إلا ما اعتمد في الميزانية عند إعلانها في بداية العام المالي. 3- إنشاء جهاز في وزارة المالية ومؤسسة النقد لإدارة الدين العام ومراقبته والتحكم فيه. 4- حث البنوك التجارية لتنشيط السوق الثانوي لإذونات الخزينة وسندات التنمية الحكومية والصكوك الحكومية مع الشركات والمؤسسات والأفراد لأنها في الوقت الحاضر تعمل فقط مع مؤسسة النقد فيما يتعلق باتفاقيات إعادة الشراء واتفاقيات إعادة الشراء المعاكس. 5- الاقتراض من البنوك المحلية بالريال بنسبة أعلى بكثير من سحب الاحتياطيات من الذهب والعملات الصعبة والأوراق المالية بدلاً مما حدث في عام 2015. 6- إيقاف التعاقد على أي مشروعات جديدة. 7- رسم سياسات تدعم القطاع الخاص. 8- إيقاف المصاريف المتعددة وغير الضرورية. 9- إيقاف الفساد والهدر والمبالغة في تكاليف المشاريع. 10- إيقاف نزع الملكيات. 11- خفض المساعدات الخارجية. 12- تمديد مدة المشاريع القائمة. 13- الحد من النفقات والمصاريف السفرية. 14- تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط. 15- خفض الدعم على الأسعار كالمحروقات كما فعلت دولة الإمارات مؤخراً، وكما فعلت دولة الكويت فيما يتعلق بالديزل ووقود الطائرات. 16- فرض ضريبة القيمة المضافة على الاستهلاك بنسبة 5%، ونظراً لأن الاستهلاك العام يشكل حوالي 65% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية فإن الدخل من هذه الضريبة سيكون له تأثير قوي على زيادة الدخل. 17- فرض ضريبة على السلع الكمالية كالتبغ والسيارات وما شابهها. 18- فرض ضريبة على الشركات. نسأل الله -تعالى- أن يحفظ بلادنا وسائر بلدان المسلمين من كل سوء، وأن يديم علينا نعمة الأمن والإيمان في ظل قيادة حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين وولي ولي عهده، والله من وراء القصد، وبالله التوفيق.