عندما تلقي بحجر من النافذة في أي بلد عربي؛ لا بد أن يسقط على رأس شاعر! مقولة مأثورة كانت تتردد في المحافل الأدبية؛ للتدليل على تسيد الشعر للمشهد الأدبي. واليوم أصبح الشعر غريبًا؛ لدرجة أن كثيرًا من الشعراء في الوطن العربي بدؤوا يتجهون لكتابة الرواية. تطاردهم أحيانًا تُهمٌ من الجاهزة؛ «إنهم يحاولون اصطياد الجوائز»، و«البحث عن شهرة لم يعد يمنحها الشعر»، الذي كان يطلق عليه "ديوان العرب".. ناقشنا القضية مع روائيين ونقاد وشعراء اتجهوا لكتابة الرواية.. وطرحنا سؤال التحقيق الرئيسي: هل نعيش زمن الرواية؟ بهذه العبارة «الروائيون الآن هم فلاسفة هذا الزمان وربما علماء الاجتماع فيه»، التي كررها أكثر من مرة الروائي والصحافي محمد الشاذلي ـ مدير مركز الأهرام للنشر؛ بدأ مناقشته لعبارة «إننا نعيش زمن الرواية» قائلًا:" يعيش الأدب العربي في زمن الرواية، وبات عنصرا الرواية، الكاتب والمتلقي، مرتاحين لهذا النوع الأدبي، في تلقي المعرفة، وفي الإمتاع أيضاً، وتوارى من وراء ذلك الكثير من الشعر والمسرح المقروء منه والمنطوق على خشبة المسرح، ذلك؛ لأن الرواية أصبحت وعاءً لا حدود لعمقه واتساعه لجماليات اللغة، ونقل الخبرات الحياتية والاعترافات وطرح الأفكار بأساليب متجددة وسلسة وآسرة؛ خصوصًا إذا قدمها كاتب روائي متميز. وقد أذهب إلى أبعد من مقولة «إننا نعيش زمن الرواية»؛ إلى القول بأن الروائيين الآن هم فلاسفة هذا الزمان، وربما علماء الاجتماع فيه، لكون ما يكتبونه وما يضمنونه من أفكار وخبرات وما يجرونه من أبحاث في رواياتهم". يتفق الباحث والناقد الأدبي الموريتاني منى عبد القادر، مع الروائي محمد الشاذلي، في إقرار أن العالم يعيش زمن الرواية.. قائلًا: "يوصف وقتنا الراهن في الكتابات والمتابعات الأدبية والنقدية بزمن الرواية، التي بدأت تكتسح المشهد الثقافي العربي بجدارة، بل ثمة من يميل إلى تسميتها بديوان العرب الجديد؛ إذ أصبحت تزاحم مكانة الشعر ووقعه وتأثيره في القلوب والنفوس". بعيدًا عن الانحياز لجنس أدبي على حساب آخر؛ يتناول د. رسول محمد رسول ـ ناقد وروائي من العراق ـ المشهد الأدبي في الوطن العربي قائلًا: "في جميع مراحل الإنتاج الإبداعي؛ تتراوح مستويات صعود جنس أدبي وتراجع غيره، وتلك حقيقة معروفة. وفي المرحلة الراهنة؛ هناك ميول حقيقية للاحتفاء بالجنس الروائي؛ حتى إن مبيعات الروايات تسجل أرقامًا قياسية مقارنة بمبيعات الدواوين الشعرية، لكني أعتقد أن التجربة الشعرية الجادة هي التي تفرض وجودها الحقيقي على القارئ، وأرى أن الشعر العربي في جميع أشكاله الجمالية (النثري، الحر، العمودي)، وبعيدًا عن بورصة ومعايير البيع والشراء؛ ما زال بخير، وما زال مقروءًا، وما زال الشاعر يكتب وينشر ويقرأ من جانب عشاق الشعر". بلغة تحمل في طياتها صيغة احتجاج، على ما يتردد عن أن العالم يعيش زمن الرواية.. قالت الروائية والناقدة د. هويدا صالح: "في ظل التطبيل لمقولة «زمن الرواية»؛ تظهر مقولة أخرى يرددها البعض من دون تدقيق، مقولة أن «الشعر تراجع والشعر مات»، وأنه لم يعد ثمة قارئ للشعر، حتى إن دور النشر المختلفة حين تذهب إليها؛ لتنشر ديوانًا شعريًا يرفض البعض، ويتحفظ البعض الآخر تحت ادعاء أن الشعر لا يوزع، وأنه ليس ثمة قاعدة عريضة من القراء للشعر. لكن الحقيقة غير ذلك، فلا نحن في زمن الرواية، والحصاد الروائي العربي رغم كثرته لا يؤهل أن يقف على الخريطة الروائية العالمية، ولا الشعر مات، فما زالت الذائقة العربية تقدر الشعر وتبحث عنه". "الكثير من الإحصائيات تقول إن العديد من دور النشر الأجنبية التي كانت تهتم بنشر الدواوين الشعرية قد أغلقت أبوابها وأعلنت إفلاسها، والبعض الآخر قد اتجه إلى طباعة الأعمال الروائية لما تلقاه هذه السلعة من رواج في سوق الكتاب".. بهذه المقدمة التي تكشف حماسها، استعرضت الكاتبة للرواية جنات بومنجل ـ كاتبة جزائرية ـ سيطرة الرواية على المشهد الأدبي العالمي.. ... المزيد