×
محافظة المنطقة الشرقية

أمريكا حذرت أوروبا من «مفجر باريس» منذ 5 أشهر

صورة الخبر

أشعر بغصّة لم تُفارقني، منذُ أن تلقيتُ خبر وفاة الأب والأخ والحبيب الشيخ هشام ناظر، وهو الوزير المثقف، والشاعر، والسفير، وأول محافظ للمملكة في منظمة أوبك. وهو القريب إلى قلوب الجميع بحديثه، وذكرياته الجميلة عن العهود التي ترأس فيها التخطيط، ومن ثم البترول، منذ عهد الملك فيصل، مرورًا بالملك خالد، والملك فهد -رحمهم الله-. وكان أقدر من يسرد قصة التنمية الاقتصادية في بلادنا منذ بداياتها، حيث كان أبرز مَن شارك فيها، وأقنع الجميع وقتها بإزالة العقبات التي واجهت تنفيذ خطط التنمية في وطننا الغالي. وحينما أصبح وزيرًا للبترول، كانت أسعار النفط أقل من عشرة دولارات للبرميل في عام 1986، وكانت الأوبك وعلى رأسها المملكة -وقتها- تدافع عن حصّتها في الأسواق. وبتعيينه قاد مفاوضات صعبة داخل الأوبك لإعادة استقرار سوق النفط، وما لبثت الأسعار أن عادت إلى مستويات ضعف ما كانت عليه في 1986، مع التأكيد بضرورة الالتزام بالحصص والأسعار. وكان نظراؤه من وزراء الأوبك مثل الوزير الجزائري بلقاسم نابي، والوزير الإيراني يحترمونه بشكلٍ خاص، رغم اختلافهم معه، ويثقون في وعوده، وهي سمة المفاوض الماهر. بداية معرفتي بمعاليه كانت مع بداياته في وزارة البترول، بعد أن التقيتُ به بتقديم من سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان نائب وزير البترول حاليًّا. وطلب أن نعمل معه وبعض المُختارين وقتها من مناطق مختلفة، مستشارين لمعاليه، وهو ما تحقق. وكان أن شاركنا في أول اجتماع وزاري عام 1987، وهو الأصعب كما ذكرت، ومهّدنا قبله كممثلين للمملكة للموقف الذي تبنيناه بتوجيه من معاليه. وبقيت مسألة الالتزام محورًا للاجتماعات الوزارية اللاحقة، وخاصة مع بعض الدول الأعضاء في أوبك، والمعروفة بتجاوزاتها. واستقرت أسعار النفط في فترته إلى أن ترك الوزارة عام 1995. أذكر أن أول سؤال وجّهه لي حينما التحقتُ بالوزارة هو: من هو الفريق الكروي الذي أُشجّعه، وبمعرفتي أنّه اتحاديّ حتى النخاع، وبالتحذير التي تلقّيته ممّن هم في الوزارة الذين انقلب معظمهم اتحاديين، لم أستطع أن أكذب عليه، وقلت إنني أُشجّع «الوحدة» بالوراثة. فكان أن نظر إليَّ نظرة «شذرًا»، وتدارك الأمر وقال: «إحنا والوحدة حبايب»، المهم أنك لا تُشجِّع الـ»....». وكان -رحمه الله- يتندّر -بين الحين والآخر- بعدد المرّات التي فاز فيها الاتحاد على الوحدة. ولم أستطع مجاراته في ذلك، أو تذكيره بفوز الوحدة لمرّات عديدة، احترامًا له، وحفاظًا على منصبي كمستشار لمعاليه. من شدّة ولعه بالاتحاد، كان يطلب من ابنته -حفظها الله- موافاته بالنتيجة أولاً بأول. ومرة كُنّا غارقين في مشاورات مع بعض وزراء الأوبك في جناحه بالفندق. وتلقّى مكالمة عبر سكرتيره يُبلغه أن الاتحاد قد سجل هدفًا في المباراة المقامة، وكانت ابنته على الخط، فطلب من السكرتير أن يسألها من سجّل الهدف. فقالت له «الحكمي». ويبدو أنه لم يسمعها جيدًا فقال السكرتير لمعاليه: تقول سجّله الحَكَم، فكان أن ضحك الجميع، وفهمنا من هو الحكم الذي سجل الهدف «بالخطأ». وعرفانًا بما قدّمه لي، فإن التجربة التي خضتها مع معاليه -رحمه الله- والثقة التي منحني إيّاها، هي التي حققت لي ما تحقّق من تجربة متواضعة، فأذكر أنَّني في أول معركة تفاوضية خضتها، كنت أعود اليه لأستشيره في الموقف المتخذ، وماهية توجيهاته، فكان أن قال لي بالحرف الواحد «يا محمد أنت في موقع الحدث، وتعرف موقفنا الأساسي، وتستطيع أن تحكم على أية مستجدات في التفاوض، فتصرَّف كما تشاء، ومُتأكَّد أنك ستتخذ الموقف السليم».. ونادرًا ما يحدث هذا المستوى من الثقة المطلقة بين الرئيس ومرؤوسه. قدّرت فيه مشاركته -بالرغم من مرضه وقتها بالأنفلونزا- في تكريم الشيخ عبدالمقصود خوجة -شافاه الله- لي في اثنينيته المعروفة، وألقى فيها كلمات مؤثرة، وأعطاني أكثر ممّا أستحق، بل وطالب بتكريمي على المستوى الرسمي، لدوري -ولله الحمد- في الدفاع عن مصالح وطننا الغالي. كما تشرفت بإلقاء محاضرة في مجلسه، والذي يطلق عليه «المقعد» بالقاهرة، إبان عمله سفيرًا للمملكة، وحضرها مرتادو مجلسه من وزراء، وسفراء، ونواب، وأدباء. وكان يُقدّمني لهم بعبارة «ابنى وزميلي محمد»، بكل هذا التواضع. ولقد لازمتُ حضور مجلسه «المقعد» في جدة، حيث استفدتُ كثيرًا من حضوره الجميل، وأفكاره الرائعة، وتواضعه الجم. وما أن يأتي موضوع متعلق بالنفط إلاَّ ويطلب مني الحديث، وكنت أخجل أن «أفتي ومالك في المدينة». وكان أن ذكر أحدهم في المجلس مؤخرًا بأن هنالك من يعتقد أنني لستُ خبيرًا في النفط، فكان ردّه -رحمه الله-: «هذه غيرة، وإذا كان محمد ليس خبير نفط، فمن هو الخبير؟»، وأخجلني بهذه الكلمات. هنالك الكثير من المواقف والأحداث التي مرّت عليَّ مع الشيخ هشام ناظر -رحمه الله- والذي فقدنا بموته قامة وطنية كبيرة، ولكن لا نقول سوى إننا على فراقك يا أبا لؤي لمحزنون.. (إنا لله وإنا إليه راجعون).