أدرك تماماً أن العنوان سيكون صادماً للكثيرين لأننا لم نعتد على إنصاف أي حكم فكيف برئيس لجنة الحكام الذي يمثل قطب الرحى في الأزمة التحكيمية المستفحلة منذ عقود في الكرة السعودية، لكنني أجد نفسي مضطراً لعدم الانسياق خلف الأصوات المتشنجة إزاء الواقع التحكيمي لاسترضاء هذا، والفوز بإشادتك لذاك. قبل الدخول في صلب الموضوع فإنني أجد نفسي مضطراً للتذكير بموقفي من التحكيم الذي قلت عنه غير مرة بأنه ينطبق عليه المثل القائل (فالج فلا تعالج) لكنني أبداً لا يمكن أن أقفز على وقائع قائمة وحقائق دامغة في التعاطي مع الأزمة، وإن فعلت فإنني سأكون شريكاً في تفاقم الأزمة بدلاً من السعي نحو علاجها. أولى تلك الحقائق هي أن أزمة التحكيم في الكرة السعودية ليست وليدة تسلم عمر المهنا مسؤوليتها قبل نحو خمسة أعوام، فيكفي التذكير بأن هذه الأزمة هي أشبه بتوأم سيامي مع الكرة السعودية، وكلفت محاولة علاجها الإطاحة بأكثر من رئيس بقرار إقالة كفلاج الشنار ومحمد المرزوق وعبدالله الناصر، بينما سيق عمر الشقير للاستقالة، بل إن ما يراد اعتبارها بالفترة الذهبية في عمر التحكيم السعودي وهي فترة عبدالرحمن الدهام لم تكن أبداً كذلك. الحقيقة الثانية أن ليس كل ما يقال في أمر التحكيم صحيحاً، وإن سلمنا بوجود أزمة متجذرة، بدليل أن كل رؤساء الأندية ومسؤوليها السابقين والحاليين يدّعون المظلومية، في وقت نجد غالبية الإعلام يصطف مع موقف هذا النادي على حساب النادي الآخر فتكون الرؤية انتقائية من زاوية الميول، وليس انطلاقاً من منصة مصلحة الكرة السعودية. حقيقة ثالثة لا يمكن تجاوزها وهي أن أكثر من ينظّر في واقع التحكيم اليوم هم حكام سابقون، ولو استرجعنا شريط الذكريات التحكيمية لوجدنا أن كثيراً من هؤلاء المنظرين أنفسهم كانوا هم وقود أزمة التحكيم، بل إن بعضهم كان عراباً لكثير من الفضائح التحكيمية التي تسببت في إثارة الوسط الرياضي. أما الحقيقة الرابعة وهي أن المتبرمين اليوم ممن يرفعون راية المطالبة بإسقاط اللجنة إن في السر أو العلن من الحكام العاملين أو المُقّيمين او رؤساء اللجان الفرعية وأعضائها إنما ينطلقون في ذلك من منصة مصالحهم الخاصة، فهم داعمون ومؤيدون إذا ما ابتسمت لهم الأمور، ومعترضون ومحرضون متى ما استدارت لهم، ومن يقلب أسماء المناوئين يدرك حقيقة تقلبهم بين ما كانوا عليه، وحيث أصبحوا فيه. الحقيقة الأخيرة والتي لا تتجلى إلا حين استبطان ما قدمه المهنا في الاعوام الخمسة الأخيرة، والتي تكشف عن تحول كبير في واقع التحكيم من تسلم الحكام لحقوقهم المتأخرة، ورفع مكافآتهم، والحصول على راعٍ لهم، وإحضار نخبة المحاضرين العالميين في دوراتهم، وإرسالهم لمعسكر في أوروبا، فضلا عن التحول الكبير في كثير من الخدمات اللوجستية، عدا عن وصول ثمانية حكام لنخبة القارة في وقت لا زالت ذاكرتنا تستحضر في اعوام سابقة شكاوى الحكام عن أبسط حقوقهم، وهي الشكاوى التي صمت لها الآذان وما من مستمع، المؤلم اليوم أن يتم جلد المهنا بسياط التجني من بعض حكام فاشل، ومقيم ضعيف وإعلامي ملّون.