كنا دائماً في جدل دائم يتلخص في هل يصنع الإعلام خبراً، أم أن الإعلام ينقل الخبر، صحفياً، إذاعياً، تليفزيونياً، أم عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة؟! وقديماً قيل: وما آفة الأخبار إلا رواتها. وكنا أيضا في أخذ ورد بين من يقول إن الإعلام مرآة عاكسة وبين من يقول إن الإعلام يبشر بميلاد جديد، قد يكون ذلك ميلاد خير أو ميلاد شر؟! وفي كل هذه الجدليات وجدنا أن الأمر بالفعل لا يتعدى هذه الفرضيات التي أصبحت ماثلة للعيان، وباتت تفرض أجندتها على واقعنا المعاصر، ومن هنا بدأت الدعوات لأولئك الذين اعتادوا على قيم، ومعايير، ومفاهيم، وأعراف، وتقاليد مهنية في نقل الأخبار وتداولها ونشرها والتعليق عليها بضرورة تحري الدقة والمصداقية والشفافية، وضرورة المحافظة على القيم والسلم الأهلي والأمن القومي، وقد أخذوا كثيراً على الإعلام الحديث بتقسيماته المتعددة ووسائطه المتباينة بأن يسير إعلام التواصل الاجتماعي على خطى الإعلام التقليدي وأن يراعي الخصوصيات، والذاتيات وأن يحفظ للمجتمعات قيمها وتواصلها الحميمي. وكنت في إحدى الندوات قد وصفت ما يقال وما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأن ذلك لم يخلق في الواقع تواصلا بل إن الكثير منه خلق تباعدا وتنافرا، وربما قطيعة، وشحناء وبغضاء واستنفارا لقوى الشر والضغينة والحقد، رغم أن بعض ما يرد في هذا الإعلام الحديث، وللإنصاف، فيه فائدة في تنوع المعلومات، والوصول إلى الأخـبار بأسرع ما يمكـن، وفي مـتناول اليـد من خـلال التليـفون الخلوي، أو المحمـول أو النقـال من خلال وصـف كـل دولـة لهـذا الساحـر الاتصـالي الجـديـد. لقد أحسن معهد البحرين للتنمية السياسية عندما عقد في مملكة البحرين وبالعاصمة المنامة المنتدى الخليجي الثالث للإعلام السياسي، وكان موضوعه الإعلام والسلم الأهلي وذلك يوم الأربعاء 11 نوفمبر 2015م، بمشاركة نخبة من الخبراء الإعلاميين والممارسين المهنيين والأكاديميين ورجال الإعلام والصحافة والجمعيات السياسية، وجمعيات المجتمع المدني، وطلبة الجامعات من إعلاميين وقانونيين، وكذلك مكاتب العلاقات العامة والإعلام بوزارات مملكة البحرين، وكان برعاية كريمة من معالي الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء. وقد تناول المنتدى ثلاثة محاور أساسية الأول عن دور الإعلام التقليدي في تعزيز ثقافة السلم الأهلي وكان لي شرف التحدث فيه وإدارته بمشاركة الأخوة الإعلاميين الأستاذ حسن معوض مقدم البرامج الحوارية بقناة العربية، والأستاذ نارت بوران مدير عام قناة سكاي نيوز عربية. والدكتور خالد عايد الجنفاوي الكاتب الصحفي والأكاديمي بجامعة الكويت. بينما تناول المنتدى في المحور الثاني الإعلام الجديد.. بين الإقصاء والاستيعاب وشارك فيه وأداره الدكتور ماجد التركي رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية، وبمشاركة الدكتور هيثم الزبيدي رئيس مجلس إدارة دار العرب بلندن، والأستاذة منار الحشاش عضو مجلس إدارة الجائزة العالمية للمحتوى الاليكتروني، والأستاذ بدر صالح مقدم برنامج إيش اللي يوتيوب. وكان المحور الثالث بعنوان: تعزيز ثقافة السلم الأهلي بمشاركة وإدارة الأستاذ جمال محمد فخرو النائب الأول لرئيس مجلس الشورى بمملكة البحرين والمتحدثون الأستاذ سيف المسكري الأمين العام الأسبق للشؤون السياسية بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والأستاذة جيزال خوري مقدمة برامج حوارية قناة BBC عربي، والدكتور علي الشعيبي أكاديمي ومستشار إعلامي بدولة الإمارات العربية المتحدة. وكان الأستاذ تركي الدخيل مدير عام قناة العربية هو المتحدث الرئيسي في جلسة افتتاح المنتدى. يظل الإعلام هو القاسم المشترك في كل توجهاتنا السياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية بل إن أدواره الخطيرة لا يمكن التنبؤ بها إيجابا أو سلبا، ومن هنا كانت الدعوات بأن يصار إلى أنظمة وقوانين وتشريعات وميثاق شرف يحمي الإعلاميين والمغردين، وفي نفس الوقت يحمي المجتمعات والأفراد والدول من غائلة الإعلام المنفلت، وهذا لا يعني أبدا تقييد الحريات والحجر على المعلومات الأكيدة والموثقة، فالإعلام الحقيقي لا يعيش إلا في وسط الحرية، وهذه الحرية يمكن وصفها بالحرية المنضبطة أو بالحرية المسؤولة، وهذا يحتم على الجميع كل في موقع مسؤوليته أن يقدر للإعلام دوره ويتعاون أقصى ما يكون التعاون لتوفير المعلومات في وقتها وأوانها، كما أن على الدولة أن تعتبر الإعلام هو من ضمن الخطوط الأمامية التي تسهم في الأمن والاستقرار، وتحمي المجتمعات وتصون السلم الأهلي، والأمن القومي لبلداننا التي تنشد التطور والنماء والبناء.. أحيي جهود معهد البحرين للتنمية السياسية وجهود سعادة السيد نبيل بن يعقوب الحمر مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام رئيس مجلس أمناء المعهد، وجهود الدكتور ياسر العلوي أمين عام المنتدى، والمدير التنفيذي لمعهد البحرين للتنمية السياسية وجهود مجلس الأمناء وكافة العاملين، فقد كانت إنطلاقه لابد منها لهذا المعهد من محيطه المحلي إلى الفضاء الإقليمي والعربي وإن شاء الله الدولي. وعلى الخير والمحبة نلتقي