هل كان يجب أن تقتل 26 امرأة جراء جرائم العنف الزوجي ما بين عامي 2010 و2013 في لبنان، أي بمعدل 3 حالات قتل شهرياً و12 إلى 16 حالة سنوياً، حتى يقر مجلس النواب اللبناني مشروع قانون «حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري»؟ يبدو الخلل في جوانب كثيرة تجتمع فتشكّل بيئة غير صحّية ترزح تحت وطأتها المرأة اللبنانية. المخافر اللبنانية التي استقبلت ضحايا تعنيفِ آباءٍ بناتِهم، أو أزواجٍ زوجاتِهم أو أبناءٍ أمهاتِهم المسنّات، لا تعمل وفق آلية واضحة للتعامل مع المعنَّفين والمعنَّفات في إطار الأسرة، والمحاكم غير مزودة بقانون ذي ملامح صريحة بشأن المعنَّفين في إطار الأسرة، وإلاّ كانت القواعد الملزمة شكّلت رادعاً لمعنِّفي النساء، وكانت كثيرات من ضحايا العنف الزوجي في لبنان، من رولا إلى زينب وكلوديت وغيرهن... ما زلن على قيد الحياة. العنف الزوجي في المجتمع اللبناني مشكلة قديمة تتجدد مع كل جريمة، آخرها كان مقتل رولا يعقوب (31 سنة) على يد زوجها. رولا تعذبت، عانت وتحمّلت، وتستّرت على والد بناتها الخمس، رولا ضُربت بالعصا حتى الموت من قبل زوجها على مرأى من فلذات كبدها. وبعد موت رولا، هناك محاولات لإنقاذ الزوج، وضغوط كبيرة من قبل سياسيين للفلفة الجريمة وتغليفها بتقارير طبية مشكوك بصحتها واعتبار وفاتها ناجمة عن انفجار أحد شرايين الدماغ بسبب تشوّه خلقي لا علاقة له بما لوحظ من كدمات ناجمة عن تعرضها للضرب. محامي المغدورة ريمون يعقوب، يشكّك في ما يتم تداوله من معلومات وتقارير، مؤكداً أن رولا «لم تعانِ يوماً من أي عوارض مرضية، ولو كان كذلك لما أنجبت خمسة أولاد بصورة طبيعية» . ويضيف: «لحظ الأطباء المعاينون منذ البداية أن رولا تعرضت لارتجاج في الدماغ نتيجة الضرب، إلاّ أن تقرير الطب الشرعي لم يذكر هذا الموضوع»، مضيفاً: «لهذا نحن نشكك بالتقرير الذي بات قيد تحقيق جدي من قبل قاضي التحقيق». ويشير إلى «أنّ تقرير الطبيب الشرعي كان عبارة عن استنتاجات، ولم يُبنَ على معاينة حسيّة دقيقة أو تشريح للدماغ، وهذا ما طالبت به والدة المغدورة ولم يحصل حتى الآن». وعن إمكان وجود تدخلات سياسية لتقويض القضية، يكتفى المحامي بالتعليق: «نحن في لبنان وكل شيء جائز». وتيرة التبليغ عن جرائم قتل النساء في لبنان لا تتطابق تماماً مع وتيرة وقوع تلك الجرائم، أي أن هناك ضحايا لجرائم العنف الزوجي يدفنّ بوصفهن توفين لأسباب من قبيل (القضاء والقدر)، فلا تعرف السلطات بأسباب وفاتهن، وخصوصاً في المناطق الطرفية من لبنان. يختلف المشهد يوماً بعد آخر، وبخاصة مع مساندة من الإعلام وجمعيات المجتمع المدني في لبنان، وبدأت مشاكل العنف الزوجي تطفو على السطح لوضع الإصبع عليها والوقوف على أسبابها ومحاولة وضع حدّ لها. وليس أبلغ دليل على ذلك سوى متابعة منظمة «كفى عنف واستغلال» ما يقارب 450 حالة، لنساء معنّفات سنوياً وتلقيها ما يزيد عن 2500 اتصال لضحايا عنف أسري يطلبون الاستشارة أو المساعدة. أرقام لا بد من التوقف عندها، وبخاصة أنها من منظمة واحدة تستقبل هذا العدد الهائل من حالات العنف الزوجي، ويبقى إلى ذلك عدد النساء اللواتي يترددن على جمعيات أخرى أو بتلك التي لا تزال أسيرة الصمت والخوف! إقرار مشروع قانون «يحمي» النساء بعد جهود دامت خمس سنوات على إطلاق «كفى» حملة «قانون حماية النساء من العنف الأسري»، تم إقرار مشروع القانون من قبل اللجان النيابية المشتركة تحت عنوان «حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري». وفي هذا الاطار، تقول ليلى عواضة، محامية منظمة «كفى»، إن هذا القانون جاء بعد جهود مضنية بدأت منذ 2008، يوم أطلق التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري. وتضيف: «تمكنّا من تحقيق بعض المكتسبات بعد تواصل وجهود طويلة مع النواب». وأهم هذه المكتسبات، تقول عواضة: «نجحنا في إضافة كلمة «النساء» إلى القانون الذي كان يحمل عنوان «العنف الأسري». وتمّت إعادة النظر بالاغتصاب الزوجي وذكره من جديد بعدما حُذف، وتجريم اللجوء إلى الضرب والإيذاء أو التهديد بقصد الحصول على الحقوق الزوجية». وتؤكد عواضة أن الضغط سيستمر كي يجرّم الإكراه على الممارسة الجنسية كفعل بحد ذاته، ولا أن يُجرّم فقط الأذى المرافق له. ومن المكتسبات التي حقّقها القانون، أنه لا صلاحية ولا تدخل في هذا القانون للمحاكم الدينية التي تعنى بالشؤون التي تنضوي تحت صلاحياتها الموجودة أصلاً في قضايا مثل الطلاق والنفقة والوصاية والحضانة. ويبقى السؤال هل سيشجع إقرار قانون «حماية النساء من العنف الأسري»، المرأة المعرّضة للعنف على تخطي»التابوات» الاجتماعية وكسر حاجز الصمت والتقدم من النيابة العامة، بشكوى بحق أحد أفراد أسرتها إذا اعتدى عليها؟ أم أنها ستبقى تتحمل أشكال العنف كافّة التي تتعرض لها حفاظاً على «تماسك» الأسرة والتحصن بـ «حرمة المنزل».