يا رفيقي في نكبات الأيام وكبَتات الشعور، يا من دام يشاركني لحظات الانعتاق عند نقطة سوداء تؤوب إليها كتائب التشوق لنكرة ما، يا من يؤمن معي بأننا اكتفينا من نشرات الأخبار بموجز الطقس الحثيث، واستغنينا من تفسيرات الحروب بأحاديث كِبار القوم في المجالس، هلُم نتناجى في سماءٍ حالمة قاصية عن أرضٍ ضيقة، فهمسات بوحك مازالت هي مراكب الإنقاذ من لججِ المحيط الهادر. دعْ عنك خُزعبلات تُخط عند تموجِ سحائبِ النبتة الفاسدة بعد مشاهدَ تُقام خلف ستائر المسرح الراقص، فهي لا تعدو أن تكون خيالات بزغت من عدمٍ بعد قرع أنيةٍ تشفُّ عن صُفرةٍ مُشِجت بحُمرة، أغوتنا سوياً بشعلةٍ لم تُسفر، وحرفٍ لم يُبين، ونغمةٍ لم تُبهج. انظر كتاب الكون الواقع فأنت لا تدرك منه إلا ما زال، تأمل لحظات السفر، أهي روح ترحل أم تموجات تضطرب داخل خلجات النفس؟ ثم أمعن النظر وتأمل تلك الخلجات، أهي بذات التعرجات التي تغشى أُماً فُصِلت عن وحيدها تحت أنقاضٍ وما زال يبرق سناه أمام عيني خيالها؟ نَقِّب عن جوابٍ ولا تبتئس وأنت ترى أسرابَ بُغاث الطيرِ تُحلق فوق صقرٍ منزوع الريش، فالحياة تحفُ الكون مُنتشرة، والموت يقبع تحت أرماسٍ ثابتة. لابد وأن تعود أنتَ إلى حيثما كنت، حرفاً تَراصَفَ أمام لوحاتِ النظر، لونُك من نزيف روحك، تقطعُ بحدِّك الجوف، فيضطرم فؤاد ويهوي فتهوي معه تيجانٌ وعروش. كأني بالرِّقاب من خلف أسوار المدينة تشرئب لمقدمك البهيج، والحيارى يتسابقن لتسلق أشجار النخيل لتفوز إحداهن ببشارة الوصول، في هدوء مدينةٍ مريب، وطأطأة رؤوسٍ مُهيب، واتساع محاجر لعيونٍ يدور عبيدُها في متاهاتِ أمواج البحار، وانقطاع قلوبٍ بلغت الحناجر، وتوقفِ أنفاسٍ خلف المناخر، فما هي إلا برهة فتُدوي صيحات الفرح وترتج أرجاء المدينة لمقدمِ غيثٍ نامت حروفه وضعفت جذوته. لن تعدم الحيلة التي ألجأك إليها أدبٌ جم مقتته مضخات الصدور العتيقة، فقد ترى فيما تحب القناعة به، لكن ليس بالضرورة أنه يستوجب من الآخرين ما استوجبه منك، البحرُ في أصلِ معدنه كالبدر في علوِ مطلعه، ذاك يبتلع دراً مع وحل، وهذا يُضيء قحلاً مع خصب، هي هكذا اللعبة فإن أعجبتك وإلا فمسالك الخروج ألينُ من مسلك الدخول.