توفي مساء أمس الأستاذ هشام ناظر أحد الرموز الكبيرة التي خدمت الوطن وزيراً وسفيراً وأكاديميّاً ومثقفاًَ، وكان - رحمه الله - قد استضافني لإلقاء محاضرة حين كان سفيراً لخادم الحرمين الشريفين بالقاهرة في شهر نوفمبر عام 2009م، في ندوة شهرية كان ينظمها في منزله بالقاهرة تحت عنوان (المقعد)، ويدعو لها نخبة من المثقفين، وقد كان عنوان محاضرتي (حرية الصحافة.. متى وكيف وإلى أين)، وقد سبق إلقائي لها مقدمة عما أعرفه عن مستضيفي - رحمه الله -، وقد وجدت من المناسب أن أنشر هذه المقدمة كونها تعبر عن رأيي في الرجل، ويأتي نشرها تزامناً ومشاركة في التذكير بما كان عليه هشام ناظر في حياته من تميز.. وفيما يلي نصها. *** هشام ناظر دون ألقاب تسبق اسمه، وبلا مقدمات تعرّف به، ومن غير أن أزيد على اسمه أي وصف حتى لا أُسقِط عنه المقولة الشهيرة المتداولة: العارف لا يعرّف، هو هشام ناظر الذي يتمتع بحس وطني وقومي مشهود له، وهو ذاته الرجل الذي يجمع بين كل المحسنات من تواضع وخلق وشهامة، فإذا بقيادة المملكة تكرمه بأعلى المناصب، ضمن توجه جميل وسياسة راشدة تتمثل في تعامل ولي الأمر مع المواطنين بتمكينهم من الحصول على الفرص المناسبة لخدمة الوطن. *** عرفت هشام ناظر - أول ما عرفته - مثقفاً يحاضر هنا وهناك؛ فأسعى أحياناً إلى حيث يكون، وكنت حينها شاباً أصغي إليه لأستزيد من علمه وثقافته، وقد كان قادماً للتو من الولايات المتحدة الأمريكية في ختام دراسته هناك، وعرفته أنيس مجالس يتحدث بلغة شاعرية جميلة، وينتقي أجمل العبارات ويصوغها مثلما يفعل أي جواهرجي في توليف مذهباته وماساته وأحجاره الكريمة لصناعة قطعة تضيف لمسة جمال لمن يقتنيها، وعرفته مسؤولاً يدير عمله بأناقة وتنوع وابتكار وتجديد، دون أن يخل بمسؤولية الوظيفة، أو أن يخرج بها عن إطارها ودوائرها. * * * وهشام ناظر، الوزير والسفير والرياضي والمثقف، ظل على مسافة قريبة من مجتمعه، فلم يأخذه المال ولا الوظيفة ولا الجاه ولا التعدد في المواهب عن حبه وعشقه بأن يكون لصيقاً بمختلف شرائح المجتمع، يسمع منهم ويستمع إليهم، يفيدهم ويستفيد منهم، ضمن قناعة ترسخت لديه منذ بواكير شبابه وإطلالته من نافذة الوظيفة الحكومية على المواطنين، وبخاصة حين وجد نفسه رئيساً للهيئة المركزية للتخطيط في العام 1968م فوزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء في العام 1970م، مروراً بوزارة التخطيط كأول وزير لها في العام 1975م، وانتهاء بوزارة البترول والثروة المعدنية التي أضيفت له حقيبتها الوزارية عام 1986م إلى جانب حقيبة وزارة التخطيط، وذلك قبل أن يعين وزيراً للبترول والثروة المعدنية بعد مرور خمس سنوات على تكليفه بمسؤوليات وزارة البترول والثروة المعدنية، فضلاً عن كل ما صاحب هذه المراكز الوظيفية العليا وما قام به من تمثيل ومشاركة باسم المملكة في لجان ومجالس إدارات في الداخل والخارج، وقبل أن يقوده ويناديه حسه الوطني لقبول التوجيه الكريم بأن يكون سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في أكبر دولة عربية منذ العام 2005م وحتى الآن. *** في كتابه (قوة من النوع الثالث) ومحاضراته ومقالاته وأشعاره المحدودة تلمس ذائقة فنية عالية، في العبارة والأسلوب والكلمة، وتجدها في الخيال الخصب والصور الجميلة، ولن يغيب عنك هذا التميز في هشام ناظر، بل ستجده حاضراً أيضاً وبقوة في كل المناسبات، رغم أنه مقلٌ في ممارسة عشقه، وزاهد بما يلقي الأضواء على ثقافته؛ إِذْ إن ما نشر وطبع له لا يمثل ما يتمتع به من أفق ثقافي واسع، ولا يترجم الحقيقة عن واقع الإلهام الشعري والثقافي لدى هشام ناظر، وميله وانحيازه إلى الكلمة المضيئة والمشرقة التي تعبِّر عن مخزون ثقافي لم يتح له أن يرى النور كاملاً. * * * هذا ما أردت أن أقوله لكم من زاوية واحدة ونافذة ضيقة عن هشام ناظر بهذه المناسبة التي دعاني لها، وإلا فإنَّ فتح كل الزوايا للتعرف والحديث عن مواهبه وقدراته وخبراته سوف يضعنا أمام شخصية مختلفة، وهو ما قد يكون مناسباً في غير هذا المكان، وربما بمشاركة أكثر من باحث ومفكر، وهو ما ينبغي أن يكون مجال دراسة موضوعية عنه وعن غيره من زملائه النابهين السعوديين، بحيث تشمل الدراسات كل الطلائع الأولى من المؤهلين في التعليم من أبناء الوطن، الذين ازدان بهم الوطن ذات يوم وإلى اليوم، واعتمد عليهم في التعليم والثقافة والوظيفة وغيرها، بعد أن عادوا من الخارج إثر إكمالهم دراساتهم العليا هناك؛ ليساهموا في خدمة برامج التنمية الطموحة في جهد خلاق. مقالات أخرى للكاتب هي الرياض مرة أخرى قمة الرياض بين التحدي والطموح وكيف لا يكون شخصية العرب الأولى؟ صديقنا سلمان في الذاكرة.. ولكن..؟!