لم يكن العالم يدرك الكثير من الحقائق عن مرض الزهايمر قبل عدة عقود، إلا أن الاهتمام بذلك المرض تزايد بعد ظهور وتنوع الحالات المصابة به حول العالم، ووجود عدد من الأعراض يتسع كثيراً ليشمل بعض الأمراض النفسية والعصبية المعروفة، والأهم كان التعرف إلى أشكال مختلفة من المرض تختلف عن بعضها من حيث الظواهر والأعراض وإن تشابهت في إجراءات العلاج. ونبدأ القصة من بدايتها التاريخية حيث تعرف العلماء خلال القرون الماضية إلى خلل يصيب الدماغ مع التقدم في السن، يعكس ذلك الخلل تراجعاً في القدرات العقلية خاصة فيما يتعلق بالذاكرة والعمليات الإدراكية المعقدة التي تعتبر من الوظائف الأساسية للمخ، واصطلح العلماء على اعتبار هذه التغيرات حالة طبيعية تعتري المخ البشري خلال مدة الشيخوخة، عندما تتعرض خلايا المخ للضمور شأنها في ذلك شأن كل خلايا الجسم الأخرى، إلا أن بعض العوارض استوقفت المختصين في مجال الطب النفسي، كان من أهمها أن نسبة من المسنين تصاب بالمرض وليس كل من يتقدم في العمر، بما يعني أن المر يتعلق بمرض أو عارض مستحدث يضاف إلى العوارض الطبيعية فيؤدي إلى ظهور الأعراض، علاوة على أن المصابين به يتعرضون للتدهور النفسي والجسدي خلال مدة وجيزة، ما يؤكد تعرضهم لعارض مستقل يختلف عن ضمور الخلايا الذي افترضه غيرهم. وتؤكد الإحصاءات الحديثة أن نصف من تجاوزوا سن الــ85 عاماً مصابون بمرض الزهايمر، بينما تقل النسبة عند البحث في الفئات العمرية الأقل من الثمانين، حتى تنعدم لدى من لم يطرقوا أعتاب الستين، كما تؤكد الدراسات استقلالية الأبحاث التي تناولت المرض، بما لا يسمح بالخلط بين أعراضه و أعراض أمراض أخرى، كما لا يمكن اعتبار كل نسيان لأمر مهم الزهايمر، ولا يمكن وصف كل شخص لوحظ عليه تراجع في القدرات الذهنية أنه مصاب بالمرض، كما يعتبر أمراً طبيعياً أن تتأثر الذاكرة نتيجة قلة تدفق الدم المحمل بالأكسجين إلى خلاياها عند التقدم في السن، نتيجة تصلب الأوعية الدموية وتراكم الدهون على جدرانها الداخلية. وفي خضم الأبحاث العلمية التي أجرتها مراكز الزهايمر على مستوى العالم خرج العديد من النتائج التي تصف وتؤكد وتنفي بعض الأمور المشتبهات في المرض، إلا أن أحد اكتشافين يمكن وضعهما على قمة سلم الأولوية والأهمية نظراً لإضافة كل منهما معلومة شديدة الأهمية: * النتيجة الأولى أكدت أن مرض الزهايمر وراثي ينتقل عبر الجينات الوراثية من الأجداد إلى الأبناء والأحفاد، إلا أن ذلك لا ينبغي له أن يطلق العنان لمخيلاتنا حتى نصاب بالهلع لمجرد إصابة أحد أفراد الأسرة بالمرض، إذ يشترط ذلك الانتقال وقوع بعض الأمور والمواصفات الجينية، ولا تتحقق تلك الشروط في كل الحالات، ولكن المعدل العام يشير إلى نسبة تقترب من 75%، أي بعبارة أخرى هناك 250 حالة من كل 1000 حالة مصابة بالمرض لن تنقله إلى أفراد الأسرة وراثياً نتيجة عدم اكتمال الشروط الجينية. * أما النتيجة الثانية، وهي أيضاً لا تقل أهمية عن الأولى، فكانت إمكانية التنبؤ بحدوث المرض من خلال بعض التصرفات التي ربما تظهر على الشخص في سن الأربعين، ومنها مثلاً عدم تذكره لأسماء زملاء العمل الذين لا يتعامل معهم بصفة يومية لفترة طويلة، وكذلك نسيان مواقع الأغراض التي يستخدمها الشخص بصورة متكررة مثل مفاتيح السيارة والهاتف المتحرك والجريدة الصباحية. ولتجنب الخلط بين أعراض المرض وظواهر الشيخوخة العامة، يجب هنا التأكيد أن عدم التحكم في الإخراج بنوعيه يعد من أعراض الشيخوخة، وهو كذلك من أعراض مرض الزهايمر، ولكن يجب ألا نعتبر فاقد التحكم مصاباً بالمرض، كما تتراجع الذاكرة البشرية أيضاً بعد تجاوز السبعين من العمر، ولا يمكن اعتبار ذلك في كل الحالات إصابة بالمرض، كما تصاب الذاكرة بإعطاب نتيجة لإصابات الرأس أو نقص حاد في بعض الفيتامينات، لذلك أيضاً لا يمكن التعامل مع تلك الحالات على أنها مصابة بالمرض. تبدأ أعراض المرض، كما ذكر سالفاً، في مرحلة مبكرة ربما في الأربعين، بتراجع في تذكر أماكن الأغراض الشخصية، وتستقر حالة الذاكرة لفترة طويلة ولكن لا يمنع ذلك ضرورة إخضاع الشخص للمراقبة عن بعد بواسطة أحد أفراد الأسرة للوقوف على التطور واتجاهه ونوعه، ثم يحدث التدهور في عمليتي التذكر والإدراك أو إحداهما بصورة حادة، تصاحبهما حالة من الارتباك والحيرة وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب مع العجز عن التعامل مع الأرقام، فلا يملك السيطرة على نفقاته أو التمييز بين الأرقام، ولعل التجربة المباشرة تكشف عن ذلك، باختبار المريض بصورة غير مباشرة عند تسليمه مبلغ من المال لإحصائه، فإذا احتاج إلى وقت أطول وقام بالعملية أكثر من مرة، فيعني ذلك احتمال إصابته بالمرض، كما يؤثر الزهايمر في مجريات الحياة اليومية للمريض، فيبدأ في وضع أغراضه في غير أماكنها ثم يسأل عنها أهل المنزل، أو يطلب من أحد الأفراد طلباً يكرره كل ساعة أو أقل، وربما يدعي أنه طلب أمراً ولم يجبه أحد، وأحياناً يتحدث في أكثر من موضوع في وقت واحد، وإذا خرج وحيداً من المنزل يجد صعوبة في العودة إليه، وفي المراحل المتأخرة ينسى أسماء أبنائه وأحفاده ويتذكر أسماء أفراد العائلة المتوفين منذ مدة طويلة ويطلب من مساعديه الاتصال بهم، كما يتهم المحيطين به بالإساءة له أو سرقة حافظة نقوده أو أوراقه الخاصة، وتبدأ مرحلة الهلاوس أو التهيؤات، ويرافق هذه المرحلة كذلك التطرف الانفعالي وفقدان التحكم في الإخراج بما يتطلب الاستعانة بالحفاضات الخاصة بالمسنين. والواقع يفيد بمحاولات علمية حثيثة لتوفير علاج أو طرق للوقاية من ذلك المرض الفتاك، كما يشير إلى غياب أي دواء ناجح لعلاجه، فقط يعتمد العلاج على الدعم الاجتماعي للمريض والمحافظة على التوازن النفسي له وفهم طبيعة المرض، وتفادي الأسباب التي ربما تدخله إلى غياهب المضاعفات مثل الاكتئاب. وكانت رحلة العلاج التي بدأها العلماء لتوفير دواء فاعل لمرضى الزهايمر زاخرة بالعديد من المحاولات الحثيثة نحو تخفيف الأعراض أو الإبطاء من زحفها، ونجحت مجموعة من الباحثين الأمريكيين في تحديد سبب الإصابة بالمرض، حيث لخصه الباحثون في تلف خلايا المخ المسؤولة عن التعامل اليومي مع البيانات وتخزينها واستعادتها، علاوة على أعطال في المسارات العصبية التي تقوم بدور مهم في نقل التيارات العصبية، على أن ظهور الأعراض بشكل واضح لا يعني أن المريض أصيب لتوه بالمرض بل يعكس بدء تحلل الخلايا وتلفها منذ سنوات طويلة. وخلال مراحل البحث عن حلول ظهرت في الأفق محاولات لعلاج تلف الخلايا يسمى سولانيزوماب قال منتجوه إنه يهاجم بروتين أميلويد الذي يتكون في الدماغ بسبب المرض، وقالت شركة إيلي ليلي أنه حقق نتائج فاعلة في إبطاء المرض وليس علاجه كلياً، خاصة مع الحالات المكتشفة مبكراً.