الخير شوار-الجزائر في عمله الجديد الصادر حديثا عن دار "الوطن اليوم" بالجزائر، يشرّح الروائي كمال قرور شخصية الطاغية العربي، مستندا من جهة إلى شخصية "ذياب بن غانم" التراثية الذي جعله رمزا للطغيان العابر للزمان، ومن جهة أخرى إلى كتابات الروائي الكولومبي الراحل غابرييل غارسيا ماركيز الذي أبدع في رسم الطاغية في أميركا اللاتينية، خاصة في روايته الشهيرة "خريف البطريرك". وليس غريبا أن يكون العنوان الشارح لرواية "حضرة الجنرال" هو "التخريبة الرسمية للزعيم المفدى ذياب الزغبي كما رواها غارسيا ماركيز"، فكلمة "تخريبة" تحيل إلى "التغريبة الهلالية" وهي الحكايات الشعبية المنتشرة كثيرا في شمال أفريقيا ويتنوع أبطالها من أبي زيد إلى ذياب بن غانم الزغبي حسب كل منطقة. وهي ليست مجرد حكايات، وإنما لها ارتباط بأصول قطاع من سكان هذه المنطقة، ومن هنا جاء اختيار هذه الشخصية و"التخفّي" وراءها كحيلة فنية لقول كثير من الأمور السياسية الحالية. ويبدو أن الروائي كمال قرور في هذا العمل، أقدم على مغامرة فنية كبيرة عندما جعل "طاغيته" في مواجهة مباشرة مع "طاغية" ماركيز الذي وقف عنده الكثير من الكتّاب لأنهم لم يتجاوزوه فنيا. ولم يكتف الكاتب هنا بتناول شخصية الطاغية، وإنما استحضر ماركيز نفسه كشخصية روائية، عندما وضعه وهو في خريف العمر وجها لوجه مع الطاغية العربي "ذياب الهلالي" داخل مستشفى واحد، ليطلب ذياب من غابرييل أن يكتب سيرته كما لم يكتب مثلها من قبل. " مع تقدّم السرد نكتشف أن الطاغية ذياب الهلالي يتعدد في الأمكنة ويتمدد في الزمان كأنه عاش دهورا، وربما هو خلاصة كل الطغاة الذين مرّوا على المنطقة منذ قرون طويلة " "تحيين" حكاية قديمة يقال إن التاريخ عندما يعيد نفسه سيتحوّل من "التراجيدي" إلى "التراجيدو-كوميدي"، وهذا ما حدث مع حكايات "التغريبة الهلالية" التي تحوّلت إلى ملهاة بروح الكتابة الساخرة التي تميّز بها كمال قرور. ولئن جاء ذكر اسم غبرييل غارسيا ماركيز في العنوان الشارح، فإن دوره في المتن لم يتعدّ التسجيل الصحفي، حيث تولى ذياب السرد منذ البداية، كأنه يتحدّاه وهو يصارع الخرف في خريف عمر، بأنه لم يسمع حكاية مثل حكايته، ويطلب منه كتابها كما يسردها عليه. ومع تقدّم السرد نكتشف أن الطاغية "ذياب الهلالي" يتعدد في الأمكنة ويتمدد في الزمان، كأنه عاش دهورا، وربما هو خلاصة كل الطغاة الذين مرّوا على المنطقة منذ قرون طويلة. ولئن بدأت ملامح شخصيته في التاريخ القديم نسبيا، فإنها تأخذ شكلا عصريا، وكأننا بصدد الحديث عن أحداث سياسية بعينها قريبا نسبيا، انزاحت عن مضمونها الرسمي الصارم لتتحوّل إلى ملهاة، ولا تنتهي إلا على صرخات "اليتامى الفرسان الثوارجية" كما سمّاهم باللغة التي تقترب قليلا من اللغة المحكية للتغريبة الأصلية، ليكون "الخراب" أو التخريبة" التي كانت من صنع الطاغية نفسه، والتي تحيل إلى حالة "ديوان اليتامى" في النص الجديد، وفي حالة الخراب التي يعاني منها أكثر من وطن في عصرنا الراهن. وقبل الوصول إلى تلك النهاية الفجائعية، كان الطاغية قد سرد كل تفاصيل حياته على غارسيا ماركيز بلغة تتراوح بين المأساة والملهاة، وكانت حادّة وجارحة، ولم تخلُ من المباشرة، انطلاقا من النصوص الاستهلالية الأولى التي فضحت المتن قبل قراءته مثلما هو الحال مع مقولة أفلاطون "إِذا انحرفت الأرستقراطية وتحول أبناؤها إِلى إِيثار الثروة على الشرف، تحولت إِلى الأوليغارشية (حكم القلة) التي لبابها جَعْلُ الثروة أساس الجدارة، وهو إِثم فظيع". إنه الهم السياسي الذي شغل الكاتب ربما أكثر من الهم الفني نفسه، ويبدو أنه أثّر بعض الشيء على بعض مفاصل النص. مغامرة سردية كمال قرور الذي عُرف روائيا عندما فاز عمله الأول "الترّاس.. ملحمة الفارس الذي اختفى" قبل سنين بجائزة مالك حدّاد التي كانت تمنحها رابطة كتّاب الاختلاف برعاية الروائية أحلام مستغانمي، يبدو أنه مسكون "بسيرة بني هلال" التي اشتغل عليها من خلال ذلك النص وواصل الأمر بشكل مختلف مع عمله الثاني "سيد الخراب". وها هو يكرّس الأمر في عمله الجديد "حضرة الجنرال"، وكأن هذا النص لا ينتهي معه، حيث يتناوله في كل مرة من خلال بعد جديد وبطريقة جديدة، وفي كل الحالات فإن الهم السياسي بدا جامعا لمختلف العنوانين، مثلما جمعتها الرغبة في الانعتاق من حكم الطاغية، وهذه المرة جعله في مواجهة مباشرة مع "طاغية" غارسيا ماركيز، في مغامرة يبقى القارئ حكما عليها سلبا أو إيجابا.