حدد رئيس الوزراء الأوكراني نيكولاي آزاروف 20 بليون يورو «ثمناً» لتوقيع اتفاق الشراكة التجارية مع الاتحاد الأوروبي. وأثار ذلك تكهنات حول جدية هذا الطرح الذي نتج من أزمة سياسية مستعصية في ظل غضب الشارع، بعد تراجع الحكومة الشهر الماضي عن خيار الاندماج مع اوروبا. وتحتاج اوكرانيا هذا المبلغ لتجاوز أزمة خانقة تهدد اقتصادها بالانهيار. وهو يبدو مناسباً «لترتيب البيت الداخلي» في شكل يُخفف كارثة اقتصادية تلوح في الأفق، وينقذ الرئيس فيكتور يانوكوفيتش من مواجهة استحقاق الانتخابات الرئاسية عام 2015 بأضعف نسب تأييد في الشارع. ولكن، هل ستستطيع كييف الهرولة إلى أحضان الاتحاد الأوروبي إذا وافق على العرض، ويتجاهل وابل الغضب الذي ستواجهه من «الشقيق الأكبر» روسيا الجارة القادرة على اثارة متاعب؟ وحرص رئيس الوزراء الأوكراني على «تغليف» طلبه بالشكل المناسب، إذ اكد ان بلاده لا تسعى الى مساعدات مالية اوروبية، بل تقترح ضخ استثمارات «تعود بمنفعة متبادلة للجانبين»، عبر تمويل مشاريع لتحسين خطوط امدادات الطاقة في أوكرانيا، وتحديث ممرات النقل الأوروبية وتوسيعها، وإنشاء ممر جديد في القوقاز، وبناء خط للنقل عبر مضيق «كيرتش» وغيرها. في المقابل، أكد آزاروف أن بلاده ليست مستعجلة لتوقيع اتفاق شراكة جمركية اقليمية مع الروس، ولن تطرح الموضوع خلال اللقاء الروسي – الاوكراني المقرر بعد أيام، ويتوقع أن يسفر فقط عن ابرام اتفاق تبادل تجاري. وعكست «مناورة» آزاروف حجم الصعوبات التي تواجهها السلطات الأوكرانية، وتضطرها وفق خبراء الى العمل على ثلاثة محاور في آن: اولها الأوروبي، عبر السعي الى نيل تعويضات مباشرة، قبل ان تعطي كلمتها الأخيرة حول توقيع اتفاق الشراكة، خصوصاً انها لا تملك موارد كافية لتغطية نفقات تكييف الاقتصاد الأوكراني مع الفضاء الأوروبي، وتعتبر فرصها ضعيفة جداً في الحصول على قرض مريح من البنك الدولي. في المقابل، تواجه اوكرانيا «هراوة» ديونها الثقيلة لروسيا، والتي تناهز 12 بليون دولار، بينها بليونان قيمة الغاز الطبيعي الذي تحتاجه اوكرانيا بشدة، خصوصا في الشتاء، ناهيك عن العلاقات التاريخية التي تربط نصف المجتمع بروسيا، وتعدّ عنصراً أساساً لتشكيل هوية اوكرانيا الحائرة بين موسكو وبروكسيل. اما المحور الثالث فيتجلى في محاولة يانوكوفيتش ايجاد مخرج يُرضي الروس، ولا يُغضب اوروبا، علماً ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي زار كييف قبل ايام، لم يقدم لها وعوداً بمزيد من القروض، لكن خبراء يرون ان هذا الخيار يبقى قائماً. وتبدو الخيارات أمام حكومة آزاروف بالغة التعقيد، خصوصاً أنها فشلت في تخفيف وقع الاحتجاجات التي غدت عنصراَ ضاغطاً، رغم كل التدابير التي اتخذتها، وبينها استخدام العنف بحجة تسهيل حركة المرور ومنع قطعها، وحماية المنشآت الحيوية. ويعكس الوضع الحالي اقتناعاً راسخاً بأن المشكلة الاقتصادية لم تعد أقل تأثيراً وضغطاً من البعد السياسي للأزمة، وحال الانقسام بين الراغبين في «أوكرانيا الأوروبية» والمقتنعين بضرورة الحفاظ على علاقة خارجية اساسية مع «الشقيق الأكبر». وذكر احد الخبراء ان «النخب الأوكرانية تدرك أن مسار التقارب مع أوروبا سيكون حتمياً على المدى البعيد». وهو ما يتفق عليه الجميع وبينهم مقربون من موسكو. لكن الصوت الأعلى الآن يُنادي بحلول طارئة سريعة، اقتصادياً ومعيشياً، اياً تكن الجهة التي تقدمها.