بدت القمة الثنائية التي جرى انتظارها طويلاً بين رئيسة كوريا الجنوبية «بارك جيون هي» ورئيس الوزراء الياباني «شينزو آبي» في الثاني من نوفمبر الجاري، خطوة مهمة وإيجابية لرأب صدع العلاقات المضطربة بين أهم حليفتين للولايات المتحدة في منطقة «آسيا والمحيط الهادي». وعلى رغم الافتقار إلى الجوهر واستمرار الخلاف حول أعباء التاريخ وجراح الذاكرة الصعبة، إلا أن استئناف مسار الحوار يبشر بإمكانية مزيد من التفاعل بين البلدين. وبالنسبة لإدارة أوباما، التي دأبت على الدفع إلى مزيد من التعاون بين حليفتيها خلال السنوات القليلة الماضية، تشي القمة بتطور إيجابي لاستراتيجيتها الخاصة ببناء جبهة مشتركة في مواجهة التحركات المتزايدة من قبل الصين. وعلى رغم ذلك، تأتي بادرة حسن النية الحذرة هذه في وقت انخرطت فيه الدولتان في حرب علاقات عامة طويلة داخل الولايات المتحدة نفسها، إذ تضخ كل منهما أموالاً طائلة بهدف التأثير والحصول على دعم السياسيين الأميركيين، وجماعات الضغط بأسلوب قد يبدو أحياناً غير ملائم. وبالطبع، لا تعتبر مساعي الحكومتين الآسيويتين لنيل نفوذ في واشنطن شيئاً جديداً، وقد كانت موضوع تحليل مفصل من قبل الدكتور «كينت كالدر» في كتابه «آسيا في واشنطن». وحسب الكتاب المنشور في عام 2011، كانت أكبر دولتين لهما جماعات ضغط في واشنطن من حيث عدد النشطاء هما اليابان وكوريا الجنوبية، وكلتاهما تعملان على أجندة مكثفة تتنوع من الترويج الثقافي إلى الصفقات التجارية. وفي هذا الصدد، حققت جهود هاتين الحكومتين الآسيويتين نجاحاً كبيراً، والدليل على ذلك شراكة اليابان الأخيرة مع عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي الذي تحول إلى أحد ناشطي جماعات الضغط «توم داسكيل» وشركة العلاقات العامة «دي سي آي» لترويج اتفاق «الشراكة التجارية عبر الهادي». ومنذ ثمانينيات القرن الماضي تضطلع طوكيو بواحد من أكبر أنشطة الضغط في الولايات المتحدة، إذ تنفق أكثر من 400 مليون دولار سنوياً بهدف دعم مصالحها التجارية والسياسية عبر شبكة واسعة النطاق تتضمن صناع سياسات ومشرعين ومراكز بحثية. وأسست كوريا الجنوبية أيضاً تواجداً مماثلاً، ولكن أصغر حجماً في واشنطن، إذ أنفقت نحو 40 مليون دولار لتأييد التصديق على اتفاقية «كوروس» للتجارة الحرة في 2010. وعلى رغم ذلك ينشأ الجدل حتماً عندما ينصب تركيز قوى الضغط على التاريخ والسياسة. وفي بداية العام الماضي، نجحت الجالية الكورية الأميركية بفرجينيا في الضغط على المجلس التشريعي في الولاية لمراجعة إشاراتها إلى «بحر اليابان» كي تتضمن بدلاً منها تسمية «بحر الشرق». ورداً على ذلك، استقطبت طوكيو مجموعة «ماكجوير وودز» للاستشارات بهدف عرقلة مشروع القانون، بينما دفعت سفيرها لتقديم رسالة احتجاج كوسيلة ضغط على حاكم فرجينيا «تيري ماكاوليف»، تنطوي على تهديد قوي اللهجة بأن «العلاقات الاقتصادية القوية بين اليابان وولايته قد تتضرر». وفي هذه الأثناء، استقطبت كوريا الجنوبية مجموعة «بي جي آر» الاستشارية في يونيو الماضي قبيل زيارة رئيس الوزراء الياباني «شينزو آبي» لدعم حملة علاقاتها العامة في واشنطن. وأنفقت أكثر من 150 ألف دولار على مدار ستة أشهر للتعاون مع وسائل الإعلام وحشد تعاطف الشعب الأميركي تجاه قضيتها. وركزت الحملة في معظمها على طلب اعتذار واضح من «آبي» بشأن قضية امتهان كرامة النساء خلال الحرب العالمية، وهي قضية جدلية بين الطرفين، وباءت المحاولة بالفشل بعد أن تفادى رئيس الوزراء الياباني القضية باقتضاب معتاد. ومؤخراً، في ضوء زيارة «بارك» إلى الولايات المتحدة، زعمت تقارير أن الحكومة اليابانية حولت أموالاً إلى منظمة تُدعى «أصوات فيتنام»، التي استقطبت «نورم كولمان» عضو مجلس الشيوخ السابق عن ولاية «مينيسوتا» كواجهة لحملتها من أجل الحصول على اعتذار من الرئيسة الكورية عما تعتبره جرائم حرب وأعمال عنف ارتكبت أثناء حرب فيتنام. وعليه، فإن التقدم الحقيقي في العلاقات بين كوريا واليابان يجب أن يحدث بصورة مستقلة من خلال تعزيز نفوذ كل منهما في الولايات المتحدة. وعلى سيئول وطوكيو أن تدركا أن ذلك ينطوي على ضرورة تنسيق المصالح فيما بينهما، والابتعاد عن استخدام الولايات المتحدة كمنصة لتدشين حملات علاقات عامة ضد بعضهما بعضاً، وعلى واشنطن أيضاً أن تبذل جهداً في حمل حليفتيها على عدم إنفاق أموال طائلة على حملات سلبية على أرضها. كيو سيوك شيم* كاتب ومحلل سياسي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»