وأنا أتابع ردود الأفعال العالمية والعربية على رحيل نيلسون مانديلا، لا أملك سلطاناً على عقلي ليتوقف عن استحضار، بعض النماذج العربية، التي ظنت أنها تسير على طريق الزعامة الخالدة، وأن سجلات التاريخ ستسطر نضالها بحروف من ذهب، لكنها للأسف سقطت من القلوب والعقول قبل أن تسقط من سجلات التاريخ ، وإن ذكرت، ففي سجل التاريخ الأسود، بحروف تقطر منها دماء الضحايا، ويعلو أنين مجتمعاتهم كلما فتح سجلهم الأسود؛ لأن هناك فرقاً بين النار والنور، بين الحرب والسلام. النار تأكل كل شئ حتى ( رجل واطيها ) كما تقول العرب! ربما لا تكون مناسبة رحيل مناضل عظيم كمانديلا مناسِبة لاستحضار مثل تلك النماذج، لكن الشيء يذكر بضده كما يقولون، كما أن ما يحدث حولنا، في عالمنا العربي بعد ثورات الربيع العربي التي جيرت لصالح جماعات تنتهج العنف وسيلة للوصول لأهدافها، وتقدم مصالحها الشخصية على مصلحة الوطن، يجبرنا على هذا الاستحضار، ربما نفهم، أو يفهمون، أن النضال لا يمكن أن يؤتي ثماره إلا إذا تخلص من العنف ومن المصالح الشخصية. النضال من أجل فكرة عظمى، وقيمة إنسانية، يجني محصولها الجميع، ويتذوق ثمرتها الجميع كنضال " مانديلا" الذي قاد أمته من التمييز العنصري إلى الحرية، ثم تمسك بالأمل في قدرة الجميع رجالاً ونساء على التغيير ( بالحرية الحقيقية يصبح كل شيء ممكناً ) قضى نيلسون مانديلا، أكثر من عقدين من عمره خلف القضبان، لأنه حمل فكرة النضال ضد نظام الفصل العنصري الذي وضعته حكومة جنوب أفريقيا في الفترة من 1948- 1993م، والفصل العنصري نظام من القوانين الظالمة للتفرقة السياسية، والقانونية، والاجتماعية، والاقتصادية، ضد ( غير البيض ) مع حق الأقلية البيضاء في السلطة. ضحى بكل شيء رغم معاناة أسرته الصغيرة. لم يشاهد أحفاده يكبرون، ولم يعش بين أولاده. الحرية بالنسبة له أهم من خروجه من السجن، لأنه كان يدافع عن فكرة عامة ينتفع بها الجميع وهي حق للجميع، وليست شأناً خاصاً أو شخصياً، ( لأنه تعلم من قصص محاربي ( خوسا ) - سكان جنوب شرق أفريقيا - الأبطال النبلاء أن هناك مجالاً للشرف في المعركة سواء كانت شجاراً بالعصى أو معركة)أي أن إثبات القوة، أو الظفر على خصمك لا يعني – بالضرورة – سحقه وإذلاله! كل سنوات العذاب لم تغمر قلبه بالكراهية والحقد، لأن عذابه لا يساوي شيئاً في مقابل وطن جريح، والكراهية لن تشفي الوطن، ربما لذلك تحول إلى بطل في عيون كل محبي الحرية والمساواة، هب العالم فزعاً يوم رحيله، لكن لا يشبهه أحد من الجماعات المتطرفة، وجماعة الإخوان التي بدأت تستخدم اسم مانديلا، كنموذج يوجد منه آلاف منهم في السجون.! مع أن التشبه بالكفار في الإسلام حرام – حسب توصيفهم للمسيح والأقباط - لكنهم بالعقلية النفعية التي يتميز بها الإخوان أرادوا أن يستثمروا الحدث لمصلحتهم، لكن هناك بالتأكيد فرق في السلوك والنهج والأفكار والقيم بين نضال ينتهج ( اللاعنف ) وبين نضال من أجل السلطة والمكاسب الشخصية! هناك أيضاً الذين يفرون من أوطانهم ويستعدون عليها دول الغرب، كما فعل كثير من العربان ولا يزالون يفعلون. آخرهم وربما ليسوا بآخرهم فلول جماعة الاخوان الذين يعقدون الاجتماعات في بريطانيا ويحرضون الغرب على وطنهم من أجل السلطة التي أخرجتهم من الجحور. التنظيمات الإرهابية، مثل القاعدة التي سفكت الدماء بالتفجيرات الإرهابية العمياء التي راح ضحيتها مئات بل آلاف البشر إذا حسبنا الحروب التي شنتها أمريكا وحلفاؤها على أفغانستان والعراق غير الضربات جواً أو بحراً لأهداف محددة لكنها تطيش أحياناً وتصيب أبرياء، كل هذا – للأسف – باسم الاسلام، والاسلام منهم بريء. عندما تقرأ حياة نيلسون مانديلا تعرف معنى الكفاح، والتغلب على الصعاب من أجل تحقيق حلم الملايين في وطنه من السود والملونين الذين يعانون من التمييز العنصري بعد أن أصبح سياسة قومية تهدف إلى تقييد كل جوانب الحياة اليومية، بعد أن أخذ الحزب الوطني في تقليص حقوق الأغلبية ( غير البيضاء ) من سكان جنوب أفريقيا لمصلحة الأقلية البيضاء. بعد أن أطلق سراحه كان الكثير من اللحظات الجميلة والحميمة قد فقد للأبد، لكنه استطاع أن يسامح، أن يتنازل عن السلطة وهو في أوجها، أن يجلب كأس العالم ليشاهد العالم الجمال في وطنه، عمل على مكافحة الإيدز، أحب وتزوج وهو في الثمانين من عمره. من يناضل من أجل الآخرين؟ من يحرم من دفء بيته وحضن صغاره ومن الهواء والحرية ويحمل في قلبه كل هذا التسامح؟ ( أنا ومن بعدي الطوفان) هذا ما تفعله قيادات الجماعات المتطرفة، والمعارضة التي تتمتع بالرفاهية الكاملة خارج الأوطان باسم النضال بعد أن يشعلوا الفتنة داخل الأوطان ويطلوا عليها من الفضائيات ( لا بسين اللي على الحبل )، ومن ينتهج العنف والارهاب بدعوى الحق في الحرية والمساواة، أو بدعوى تطبيق شرع الله كما جاء على لسان ( السناني ) السجين الذي ظهر في برنامج الثامنة مع داوود الشريان، ولم يسلم أحد من لسانه، هل هذا ومن على شاكلته يمكن أن يهتز العالم يوم يغادرونه كما اهتز يوم رحيل نيلسون مانديلا؟ لا يمكن أن يثمر العنف المسلح، ولا أن يطرح عرقاً أخضر يمكن أن يزهر يوماً حرية أو مساواة، أو حتى وطناً يصلح للحياة! nabilamahjoob@yahoo.com nabilamahjoob@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (27) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain