مشهد غير مسبوق في مجتمع محافظ. مجموعة نسائية تعتدي على ناشطين غالبيتهم من الذكور كانوا يعتصمون أمام مقر الأمن السياسي (المخابرات) في صنعاء احتجاجاً على إخفاء مصير قيادي سياسي معارض خطفه الحوثيون منذ اكثر من خمسة شهور وعدم اعلام أسرته بمكان اعتقاله. وفي وقت تشهد سلطة الدولة اليمنية انهياراً تاماً، تواصل ميليشيا الحوثيين الشيعية وتنظيم «القاعدة» السني، جرف الحريات العامة والخاصة على السواء ويفرضان قوانينهما على المناطق الواقعة تحت سيطرتهما. وهذه المرة الأولى التي يستخدم فيها الحوثيون نساء للاعتداء على ذكور وفضّ اعتصامهم. وسبق للجماعة التي تسيطر على صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية، أن استخدمت نساء لفض اعتصام ناشطات أمام مركز للشرطة في العاصمة صنعاء، والاعتداء على بعضهن. وعلى رغم الشعارات والخطابات المحافظة التي ترفعها جماعات الإسلام السياسي السني والشيعي، ومنها تقييدها حرية المرأة بدعوى صون كرامتها، بيد أن الوقائع تظهر أن هذه الجماعات لا تتوانى عن استخدام مختلف الوسائل لتحقيق مصالحها السياسية بما في ذلك ماهو مناف للدين والأعراف المجتمعية. ويلفت الناشط علي البخيتي الذي دعا إلى اعتصام 19 أيلول (سبتمبر) الماضي أمام مقر المخابرات الى مفارقة قائمة بين زعم الحوثيين بأنهم يقودون المسيرة القرآنية وبين استخدامهم نساء في شكل يخل بالقيم والأعراف المجتمعية السائدة في شكل يجعل اجسادهن تلامس اجساد ذكور غرباء. وفي رسالة وجهها الى عبد الملك الحوثي زعيم حركة انصار الله (الحوثيون) ونشرها على مدونته على الإنترنت خاطب البخيتي زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي قائلاً: «كيف تحللون لنسائكم ملامسة الغرباء من الرجال بأيديهن وأجسادهن؟»، واصفاً مسيرة الحوثيين بـ «الإرهابية»، ومضيفاً «مسيرتك أصبحت مسيرة إرهابية. لا علاقة لها بالمسيرة القرآنية... بل هي مسيرة عنف وظلم واعتداء ونهب وسرقة لممتلكات الناس». ويؤخذ على ميليشيا الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، التي تقود انقلاباً مسلحاً تسبب في انهيار الدولة واندلاع حرب أهلية، «فذلكتها» ومحاولتها «استغباء» عقول الناس لتبرير جرائمها. ويزعم الحوثيون أن المعتديات على الناشطين هنّ أسر ضحايا القصف الجوي الذي ينفذه التحالف العربي ضد أهداف عسكرية تسيــطر عليها الميليشيا، فيما يؤكد ناشطون ممن اعتدي عليهم أن المجموعة النسائية المعتدية أستخدمت عصياً وأواني طبخ كانت محروسة بعشرات المسلحين الحوثيين بينهم من كان يصوّر الواقعة بكاميرا فيديو. ويعتقد بعضهم بأن تصوير الحادثة أريد منه تلفيق تهمة للناشطين في حال أبدوا مقاومة وتقديمهم كمعتدين على نساء. وكانت المليشيا قتلت معارضين بينهم صحافيون بوضعهم في مخازن اسلحة تعلم أنها ستتعرض لقصف طيران التحالف. ومنذ اجتياحها صنعاء في أيلول 2014 واعتقالها رئيسي الجمهورية والحكومة وعدداً من الوزراء، أجتثت مليشيا الحوثيين وصالح الحريات العامة والخاصة وتفرض قيوداً على المواطنين ناهيك بالمعارضين والناشطين الذين ما انفكوا يتعرضون لاعتداءات مختلفة تتوزع مابين القتل والضرب والاعتقال ومصادرة حق التعبير. وتغذّي التنظيمات المتطرفة بعضها بعضاً وصار واضحاً أن تصاعد النزعة المذهبية والمناطقية يصب في مصلحة الجماعتين الأكثر تشدداً في المذهبين السني والشيعي ويقصد بهما القاعدة والحوثيين (أنصارالله). وتقول عائلات ضحايا ومعتقلين إن الانتماء المذهبي كان وراء استهداف ذويها فيما سجلت اعتقالات في صنعاء وتعز وعدن بسبب الانتماء المذهبي. واستخدمت ميليشيا الحوثيين حادثة تمثيل بجثة قناص حوثي متهم بقتل عشرات المدنيين في تعز بينهم أطفال ونساء للتحريض والتجييش ضد تعز والتعزيين في وقت سجلت حالات سجن واعتداء وقتل على اساس مذهبي. ودانت منظمات حقوقية يمنية التحريض الذي تمارسه وسائل إعلام تابعة لحزب الرئيس المخلوع ضد المنتمين إلى المذهب الشافعي. وقال عدد ممن اعتدت عليهن النساء إن المعتديات تلفّظن بشتائم ذات طابع طائفي مناطقي بسبب انتمائهم إلى محافظة تعز التي تشهد منذ آذار (مارس) الماضي قتالاً بين الحوثيين وصالح من جهة وبين المقاومة الشعبية من جهة ثانية. ويصف ماجد المذحجي وهو احد النشطاء الذين اعتدت عليهم «الكتيبة» النسوية بـ «خليط غريب من التعبئة وغسيل الدماغ مع الحماسة الدينية والعنف الطليق». واعتبر المذحجي في شهادة نشرها على صفحته على «فايسبوك» الحادثة «تكثيفاً محزناً لمعنى اختطاف ميليشيا لدولة وعبثها بها». ووفق تقــــارير محـــلية ودولية تسببت دورات القتال التي خاضتها مليشيا الحوثيين منذ 2004 في مقتل 30 ألف مدني و20 ألف جندي وتهجير نصف مليون شخص وشمل التهجير الأقلية اليهودية في صعدة والسلفيين السنة.