تشارك المملكة في قمة مجموعة العشرين التي ستعقد هذا العام في مدينة أنطاليا التركية يومي 15 و16 من شهر نوفمبر الحالي. ويرأس وفد المملكة إلى القمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-. وقد شكّل دخول المملكة إلى مجموعة العشرين الدولية التي تضم أقوى 20 اقتصادًا حول العالم زيادة في الدور المؤثر الذي تقوم به المملكة في الاقتصاد العالمي، كونها قائمة على قاعدة اقتصادية- صناعية صلبة. كما يعد دخولها كعضو في أكبر مجموعة اقتصادية في العالم اعترافاً بأهميتها الاقتصادية ليس في الوقت الحاضر فقط، إنما في المستقبل أيضاً، كذلك تعطي العضوية في هذه المجموعة للمملكة قوة ونفوذاً سياسياً واقتصادياً ومعنوياً كبيراً يجعلها طرفاً مؤثراً في صنع السياسات الاقتصادية العالمية التي تؤثر في اقتصاد المملكة واقتصادات دول المنطقة. وكان الملك سلمان بن عبدالعزيز (حينما كان ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للدفاع) قد شارك في قمة العشرين التي عقدت في مدينة بريسبن الأسترالية يومي 22 و23-1-1436هـ ليجسد -أيده الله- حرص المملكة على الحضور القوي والفاعل في هذه المنظومة المهمة التي تعد المنتدى الرئيس للتعاون الاقتصادي بين دولها الأعضاء الذين يمثلون 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 75 في المائة من التجارة العالمية، وثلثي سكان العالم تقريبًا. ومن المعلوم أن مجموعة العشرين أنشأت عام 1999 بمبادرة من قمة مجموعة السبع لتجمع الدول الصناعية الكبرى مع الدول الناشئة، بهدف تعزيز الحوار البناء بين هذه الدول، كما جاء إنشاء المجموعة بسبب الأزمات المالية في التسعينيات، فكان من الضروري العمل على تنسيق السياسات المالية والنقدية في أهم الاقتصادات العالمية والتصدي للتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، كما كان تأسيسها اعترافاً بتصاعد أهمية وتعاظم أدوار الدول الصاعدة في الاقتصاد والسياسات العالمية وضرورة إشراكها في صنع القرارات الاقتصادية الدولية. وتمثل المجموعة (الدول الصناعية وغيرها من الدول المؤثرة والفاعلة في الاقتصاديات العالمية) 90 في المائة من إجمالي الناتج القومي لدول العالم، و80 في المائة من حجم التجارة العالمية، إضافة إلى أنها تمثل ثلثي سكان العالم، حيث تضم المجموعة: المملكة، الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، روسيا، جنوب أفريقيا، كوريا الجنوبية، تركيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، ثم الاتحاد الأوروبي المكمل لمجموعة العشرين، إلى جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وجاءت عضوية المملكة في مجموعة العشرين نتيجةً لارتفاع أهميتها كمصدر ومسعر للطاقة العالمية التي تهم جميع دول العالم، ولارتفاع حجم تجارتها الدولية وتأثير ذلك على دول العالم، كما جاءت نتيجة لارتفاع مواردها المالية، التي من المتوقع أن تزداد في المستقبل -بمشيئة الله- وتزيد من أهمية المملكة في الاقتصاد العالمي، ولهذا فإن السياسات المالية التي تتخذها المملكة لا تؤثر في اقتصادها فقط، إنما لها تأثير واضح وواسع في المستوى العالمي، حيث تؤثر في نشاط الاقتصاد العالمي من خلال تأثيرها في التجارة العالمية، ومن خلال التحويلات إلى الخارج وسياسة الاستثمار في الأوراق المالية العالمية. وأسهم توسع دائرة تأثيرات الدور الاقتصادي السعودي في المنطقة في تصنيف المملكة من بين أفضل اقتصادات العالم الناشئة جنبًا إلى جنب مع دول صاعدة كبرى كالصين والهند وتركيا، وسط ما تمثله المملكة من ثقل اقتصادي مهول في منطقة الخليج والشرق الأوسط والبلدان العربية. ومن النتائج الإيجابية لعضوية المملكة في هذه المجموعة توفير قنوات اتصال دورية بكبار صناع السياسات المالية والاقتصادية العالمية، ما يعزز التعاون الثنائي مع الدول الرئيسة المهمة في العالم، كما رفعت عضوية المملكة في هذه المجموعة من أهمية توفير مزيد من الشفافية والمعلومات والبيانات المالية والاقتصادية المتعلقة بالمملكة أسوة بدول العالم المتقدم. ومن المتوقع أن تؤدي عضوية المملكة في المجموعة إلى تنسيق وإصلاح بعض السياسات في عدد كبير من المجالات المالية والاقتصادية، ما سيدفع إلى مزيد من التطوير للقطاعات المالية والاقتصادية ويصب في نهاية المطاف في مصلحة المملكة واقتصادها. وتتويجاً لما تملكه المملكة من إمكانات اقتصاديه عالمية أنشأت العديد من المدن الاقتصادية، كما شرعت بإنشاء مشروع مركز الملك عبدالله المالي بمدينة الرياض على مساحة تبلغ 1.6 مليون متر مربع، حيث يعد المركز أحد المراكز المالية الرئيسة في العالم لوجوده بأحد أكبر اقتصاديات المنطقة، وهو الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط من حيث الحجم والتنظيم والمواصفات التقنية والتجهيز. وتمتلك المملكة ثاني أكبر صندوق استثمارات سيادية في العالم، والأكبر عربياً، حيث تحتوي مؤسسة النقد العربي السعودي أصولاً للمملكة موزعة على مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الأسواق الناشئة والأسواق المتقدمة على حد سواء، بما يجعل القرارات الاستثمارية للمملكة ذات أهمية استثنائية. واستطاعت المملكة القيام بدور مهم في الإسهام بضبط وتيرة الاقتصاد العالمي، حيث استحوذت خلال مشاركاتها في مجموعة العشرين على أهمية استثنائية. وكان لنجاح المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في توجيه سياستها الاقتصادية ودعم الاقتصاد وقطاع الأعمال السعودي، أبلغ الأثر في جعل المملكة دولة فاعلة في رسم سياسة الاقتصاد العالمي وقبلة آمنة للاستثمارات من مختلف دول العالم. وتأكيداً على مكانة المملكة وثقلها المؤثر على الاقتصاد العالمي ولمواقفها المعتدلة وقراراتها الاقتصادية الرشيدة التي تبنتها خلال سنوات التنمية الشاملة، إضافة إلى النمو المتوازن للنظام المصرفي السعودي، شاركت المملكة في اجتماعات القمة المختلفة. وجاءت هذه المشاركات تأكيداً على مكانة المملكة في المحفل الاقتصادي الدولي، والتزامها بالاستمرار في أداء دور فاعل وإيجابي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي، وعلى دورها في صياغة نظام اقتصادي عالمي يحقق نموًا اقتصادياً عالمياً متوازناً ومستداماً، وبما يحافظ على مصالح جميع الدول المتقدمة والنامية. ففي القمة التي عقدت في مدينة تورنتو الكندية، أكدت المملكة أهمية أن تكون هذه المجموعة المحفل الرئيس للتعاون الاقتصادي الدولي بما ينسجم مع التطورات على خريطة الاقتصاد العالمي، ويستجيب للحاجة لوجود مجموعة أكثر تمثيلاً لاقتصادات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. وأشارت المملكة، في كلمة ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- إلى نجاح مجموعة العشرين في الاستجابة للأزمة المالية العالمية بما اتخذته من تدابير جنّبت العالم الوقوع في الكساد؛ واستدركت أن الأوضاع الاقتصادية العالمية الهشة تجعل من إعلان النجاح مؤجلاً، مؤكدة أهمية أن يكون النمو العالمي أقوى وأكثر توازناً وقدرة على الاستمرار، من خلال تبني إجراءات منسقة من قبل دول المجموعة؛ وفي نفس الوقت مراعاة الاحتياجات والظروف الخاصة بكل دولة. وشددت المملكة على أهمية إصلاح الأنظمة المالية لتفادي وقوع الاقتصاد العالمي في أزمات مماثلة في المستقبل، مبينة أن تطبيق أنظمة إشرافية ورقابية قوية تعد بديلاً أنسب من فرض ضرائب على المؤسسات المالية. كما أكدت قدرة النظام المالي فيها على الصمود التي تعززت على مدار السنوات الماضية، بفضل الإجراءات الصارمة والرقابة الاستباقية، مفيدة بأن النظام المصرفي احتفظ بسلامة أوضاعه وبمستويات ربحيته ورسملته المرتفعة حتى في أعقاب الأزمة العالمية الأخيرة. وبينت المملكة أنها اتخذت عدداً من الإجراءات في مجال السياسة المالية العامة والسياسة النقدية لمواجهة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، حيث استمرت في مجال المالية العامة في برنامجها الاستثماري في القطاعين الحكومي والنفطي، بإنفاق مبلغ 400 مليار دولار على مدى خمس سنوات، وهو إنفاق يعد من أكبر برامج التحفيز التي أعلنتها دول المجموعة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى زيادة رؤوس أموال مؤسسات التمويل المتخصصة لتتمكن من توفير تمويل إضافي للقطاع الخاص وخاصة المشروعات الكبيرة والمؤسسات المتوسطة والصغيرة. كما اتخذت المملكة عدة إجراءات في مجال السياسة النقدية والقطاع المالي والتجارة، وقد ساعدت هذه الإجراءات في الحد من تأثير الأزمة المالية العالمية وتعزيز أداء الاقتصاد السعودي. وعن تطورات أسواق النفط ، أكدت المملكة أن التقلب الشديد في أسعار النفط الذي شهده العالم في عامي 2008 و2009 تسبب في الإضرار بالبلدان المنتجة، وكذلك البلدان المستهلكة، ورأت أنه ينبغي للبلدان المستهلكة أن تنظم الأسواق المالية وأسواق السلع الأولية بصورة أقوى وأكثر فعالية، حيث استمرت المملكة في تطبيق سياستها البترولية المتوازنة للإسهام في استقرار أسواق النفط، ومن ذلك رفعها لطاقتها الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل يومياً. وطالبت المملكة الدول المستهلكة بالتعاون مع الدول المنتجة لضمان استقرار الأسواق، وأمن الطلب والإمدادات لأهمية ذلك لضمان تدفق الاستثمارات المطلوبة في الطاقة الإنتاجية، والعمل على تعزيز إمكانات حصول الدول الفقيرة خاصة على الطاقة من خلال تبني سياسات وبرامج عملية لتنفيذ مبادرة الطاقة من أجل الفقراء، حيث إن تعزيز إمكانات الوصول إلى مصادر طاقة نظيفة ومتنوعة وموثوقة ومعقولة التكلفة يعد أمراً أساسياً لتحقيق النمو والتنمية المستدامة. وأكدت أهمية دعم الدول النامية وخاصة الفقيرة التي تضررت جراء الأزمة، مفيدة أنها عملت جهدها على مساعدة تلك الدول لتخفيف وطأة الأزمة العالمية عليها من خلال زيادة مساعداتها التنموية والإنسانية الثنائية والمتعددة الأطراف، وفي دعم وتعزيز موارد بنوك التنمية الإقليمية والمتعددة الأطراف. وبخصوص قضايا التجارة الدولية، أوضحت المملكة أن استمرار انتعاش التجارة العالمية يعد مطلباً ضرورياً للمساهمة في تعجيل وتيرة النمو العالمي، الأمر الذي يتطلب تجنب القيود الحمائية واتخاذ تدابير ملائمة لمساندة التمويل المرتبط بالنشاط التجاري، داعية الدول المتقدمة إلى معالجة دعمها للمنتجات التي تمتلك فيها الدول الفقيرة ميزة نسبية، وتمشياً مع التزام المملكة بحرية التجارة فإنها تواصل القيام بجهودها لدعم مبادرات تحرير التجارة على جميع المستويات، كما تواصل تقديم التمويل لأغراض التجارة من خلال عدد من البرامج والصناديق الوطنية والإقليمية. وفي مجال مناخ الاستثمار، أثنى تقرير البنك الدولي على الإصلاحات التي أجرتها الحكومة في السنوات الأخيرة في مجالي التنظيم والرقابة على القطاع المصرفي، وصنف التقرير المملكة في المرتبة 12 من بين 183 دولة، مبيناً أن المملكة ومن خلال عضويتها في مجموعة العشرين وبالتنسيق مع دول هذه المجموعة تبذل جهوداً كبيرة لتحقيق الاستقرار ودعم الدول النامية، إضافةً لمساهمتها الكبيرة في مؤسسات التنمية الإقليمية والدولية. أما في قمة العشرين التي عقدت في مدينة بريسبن الأسترالية، قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (حينما كان وليا العهد نائبا لرئيس مجلس الوزراء وزيرا للدفاع) في كلمة المملكة: إنّ ضعف وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي، وازدياد حدّة المخاطر يتطلّب مواصلة تنفيذ السياسات الاقتصادية والإصلاحات الهيكليّة الداعمة للنموّ، وإيجاد فرص العمل، واستكمال تنفيذ إصلاح التشريعات الماليّة، للحدّ من المخاطر التي قد تؤثّر على الاستقرار المالي العالمي، والاستمرار في تعزيز أطر السياسات المالية والهيكلية في اقتصادات بعض الدول الأعضاء، مشددًا على الارتباط الوثيق بين النّموّ الاقتصادي والسّلم العالمي، حيث لا يمكن تحقيق أحدهما دون الآخر، الأمر الذي يتطلّب من الجميع التعاون والعمل لمعالجة القضايا التي تمثّل مصدر تهديد لهذا السّلم. ورحب بتوافق الآراء لترسيخ الثقة في الاقتصاد العالمي، وتحفيز نموّه واسْتدامته، وتعزيز جهود إيجاد فرص العمل على النحو الوارد في خطط العمل المقرّة في استراتيجيات النموّ الشاملة لدول المجموعة، مؤكدًا ضرورة التنفيذ الكامل للتّدابير والسياسات الطموحة الفرديّة والجماعية التي تضمّنتها هذه الاستراتيجيات بهدف رفع الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة بأكثر من 2 في المائة على مدى السنوات الخمس المقبلة، مع مراعاة المرونة وفقاً للأوضاع الاقتصادية لكلّ دولة. وأوضح الملك سلمان بن عبدالعزيز، أنّ تعزيز إمكانات الوصول إلى مصادر طاقة مستدامة وموثوقة وبتكاليف معقولة، خاصةً للدول الفقيرة، يعدّ شرطاً أساسياً لخفض الفقر وتحقيق التنمية، مبينًا أنه وفي هذا الإطار بدأت المملكة العربية السعودية في تنفيذ برنامج وطني شامل لترشيد ورفع كفاءة استخدام الطاقة، مع الأخذ بعين الاعتبار متطلبات التنمية المحلية. أما فيما يخصّ أسواق الطاقة العالمية، فقد شدد خادم الحرمين الشريفين -رعاه الله- على أنّ المملكة مستمرة في سياستها المتوازنة ودورها الإيجابي والمؤثّر لتعزيز استقرار هذه الأسواق من خلال دورها الفاعل في السوق البترولية العالمية، والأخذ في الاعتبار مصالح الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة. وختم الملك سلمان بن عبد العزيز كلمة المملكة قائلاً: لقد حققّ اقتصاد المملكة خلال السنوات الأخيرة نمواً قوياً خاصةً القطاع غير النفطي، ونعبّر عن الارتياح للأوضاع المالية العامة الجيدة نتيجةً للجهود التي بذلت لتعزيزه من خلال بناء الاحتياطيات وتخفيض نسبة الدَّين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي حتى وصلت إلى أقلّ من ثلاثة في المائة، وبناء مؤسسات مالية وقطاع مصرفي قوي يتمتع بالمرونة والملاءة المالية القوية، وسوف تستمر المملكة باتباع السياسات الاقتصادية وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها تعزيز النمو القوي وتشجيع التنوع الاقتصادي، ورفع معدلات التوظيف والمشاركة للمواطنين، ودفع عجلة التنمية المستدامة.