محمد .. سيِّدُ ولد آدم، حبيب رب العالمين، وخاتم النبيين، أثنى الله عليه في قرآنه، قال عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وزيَّنَه ربه تبارك وتعالى بالرحمة، فجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، قال جلَّ جلاله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، فكانت حياته رحمة ومماته رحمة، قال : (حَيَاتِي خَيْرٌ لَكَمْ تُحْدِثُونَ وَيُحَدَثُ لَكَمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكَمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمَدَتُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكَمْ). قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. نعم حياته، خيرٌ لنا، فإنها سبب لنيل كل سعادة، ولا يزال لواء الخير منشوراً على من كانوا معه في كل ساعة من صباح ومساء، وملائكة الوحي تخالطهم وتهبط في ديارهم، فأي خير أتم وأعم من هذا، وأما مماته ، فهو خيرٌ لنا فإنه تُعرض عليه أعمال أمته فيسأل الله التوبة للعصاة، والثبات للمستقيمين، وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيراً } [الأحزاب:45]، وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا). سدده الله لكل جميل، ووهب له كل خلق كريم، وجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة معقوله، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والعدل سيرته، والحق شريعته، هدي الله به بعد الضلالة، وعلَّمَ به بعد الجهالة، وأغني به بعد العَيْلَة، وجمع الله به الشمل، وألَّفَ به القلوب المختلفة، والأهواء المتفرقة، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس. قال الله له: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5]، وهذه آية جامعة لوجوه الكرامة، وأنواع السعادة والإنعام في الدارين، قال العلماء: يرضيه ربه بالفوز في الدنيا والثواب في الآخرة، وقال سبحانه: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 1 - 4]، فأقسم ربنا سبحانه على هداية نبيه المصطفى، وتنزيهه عن الهوى، وصدقه فيما تلا، وأنه وحي يوحى، أوصله إليه جبريل شديد القوى، ثم أخبر تعالى عن وصوله إلى سدرة المنتهى، وتصديق بصره فيما رأى، وأنه رأى من آيات ربه الكبرى. قال له ربه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1]، والكوثر الخير الكثير فيدخل في ذلك الحوض والشفاعة والنبوة والمعرفة والمعجزات الكثيرة، جَمَّلَه ربه بالأخلاق العلية، والآداب الشرعية، الدين والعلم والحلم والصبر والشكر والعدل والزهد والتواضع والعفو والعفة والجود والشجاعة والحياء والمروءة والصمت والتؤدة والوقار والرحمة وحسن الأدب. نال من ربه التخصيص بالنبوة، والخلة، والمحبة، والاصطفاء، والرؤية، والوحي، والشفاعة، والوسيلة، والفضيلة، والدرجة الرفيعة، والمقام المحمود، والبراق، والمعراج، والصلاة بالأنبياء، ولواء الحمد، وإتمام النعمة، والعفو عما تقدم وتأخر، وشرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، وصلاة الله وملائكته عليه، اللهمّ؛ صلّ أفضل صلاة وأكملها، وأدومها، وأشملها، على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.