×
محافظة المنطقة الشرقية

الأهلي: إصابة جديدة لـ"سوك".. وكشف يحدد مصيره

صورة الخبر

خلال العامين الماضيين كتبت في هذه الزاوية عدداً كبيراً من المقالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقليلاً من المقالات الأدبية التي أهرب إليها عندما أحتاج إلى ذلك، في الأسبوع الماضي هربت من مقالة الرأي إلى مقالة أدبية، كما هي عادتي عندما أهرب من نفسي إلى روحي، أو كما يهرب الشاعر من الشعر إلى النثر، والحق أقول: عندما أهرب مني إليها، وجاءت ردود فعل الأحبة القراء جميلة ومريحة للنفس، سواء في موقع الصحيفة «الشرق» أو في وسائل التواصل الأخرى، فلم أكن أتوقع أن يحمل البريد الإلكتروني وصندوق الرسائل في فيسبوك ذلك الكم الهائل من الرسائل التي يطالبني فيها القراء بالاستمرار في الكتابة الأدبية، شعرت وكأنني في نظرهم قد انسلخت من الأدب في مقالاتي السابقة، أو هكذا أحسست عند مطالبتهم. أصحيحٌ أن كتابة المقالات التي تعالج المشكلات الاجتماعية أو التي تسلط الضوء على القضايا السياسية والاقتصادية مقالات جافة؟ مقالات تبدو فيها الحروف وكأنها أحجار مرصوصة؟ بعضهم كتب يقول ذلك، وآخرون يذكرون أن المقالة الأدبية تتراقص فيها الحروف وكأنها تشكل موسيقى حالمة، وفريق ثالث يصر على أن أعود إلى كتابة الشعر، وهذا ما لم أستطع الوفاء به، لأن للشعر عالما خاصا، ومنابعه تكاد تجف عندي، إن لم تكن جفت بالفعل. كثيرة هي المرات التي تخذلني فيها الحياة، مرات كحد السيف، وأخرى كلفحات النار، وثالثة كسكرات الموت، لكنها هذه المرة كانت أشد إيلاماً، وأكثر قسوة، هكذا بلا مقدمات جاءت بكل شراستها -وأرادتْ بكل بساطة- أن تخرجني من ملكوت الدنيا إلى ملائكية العالم الآخر.. آهِ.. يا حبيبتي ليست الحياة وحدها التي خذلتني هذه المرة!! لو أنها الحياة فقط، كنت سألتمس لها العذر، فربما تسرب إليها الملل الذي جعلها تكره بقائي، وأرادت أن تفعلْها بي.. آهِ.. يا «هند» على الرغم من أنني خمسيني الملامح، أربعيني الوقار، ثلاثيني النشاط، عشريني الهوى، إلا أن للحياة الحق في طلب اللجوء إلى الراحة من غلبي وقهري، فلم لا أدعها ترتاح من قلقي، ومن كتاباتي، ومن عبثي؟ ولم لا أتركها تقلل من جهدي، وسطوة اجتهادي؟، ولم لا أجعلها تغتسل من رقتي، وتصم آذانها عن أحاديثي؟، ولم لا أختصر باقي مهماتها في مهماتي الكثيرة، غير المرتبة؟ لا أخفي سراً إذا قلت لك: لقد فرحت فرحاً شديدا، بنيتها المبيتة التي ستتركني أنام في هدوء بالقرب منك، إلا أنها وجدتني من أشد المتمسكين بها، أردتها أن تكون شاهداً على العصر الذي يلهو به الوقت، قريباً من سور مقبرة الموت. آهٍ.. يا هند.. ليست الحياة وحدها التي خذلتني هذه المرة أبدًا ليست وحدها، فلو كانت وحدها لم ولن آبه بها مهما فعلت، ولكن رحلتي الأخيرة مع القلب جاءت أنكى وأشد مرارة وقسوة، لو أنها اختفت حين خذلتني لهان أمرها، ولكنها على الرغم من كل الوعود التي قدمتها، وكل الأيمان التي حلفتها، وعلى الرغم من كل العهود التي قطعتها على نفسها، جاءت بلا خجل لتعتذر مني، وكعادتي الطيبة قبلت اعتذارها، ومنذ متى لم أفعل ذلك وأنت تعرفين سعة صدري وقدر تسامحي مع الحياة يا «هند»؟ فبعد عشرين يوماً من غيبوبتي، قمت من فراشي لأعتذر لابنتي «وعد» عن الألم الذي أوشك أن يحرمها من الفرحة ليلة زفافها، فجئت وأكملت معها ليلة فرح جميلة لأعود قبل الفجر إلى السرير الأبيض -دون أن يشعر بي أحد- تاركا للعصافير أفراحها، وللطيور تغريدها، وبقيت خائفا، كلما سمعت حكاية عن خطورة «النزيف الداخلي» يرتعش شيئا في داخلي، فبمجرد ذكر كلمة «نزيف» أشعر بخطورة الحالة التي يفرضها المقام على أي مريض يرقد على السرير الأبيض. لكن حالة النزيف التي لازمتني لم آبه بها، ولم أعترف بخطرها، بل شعرت بأن القيمة الجميلة للإنسان تكمن في إنسانيته، وحجم تضحياته، فكم هو جميل ورائع أن يزرع الإنسان ابتسامة على شفاه ظامئة، أو يصنع لعبة ليتسلى بها المتعبون لحظة انتشال الإرهاق من دفة الزمن، أو يكون صدراً حنوناً لطفل فقد أحد أبويه أو كليهما، فلماذا لا يقوم من سريره ليشعل قناديل الفرح في عيني ابنته، ضاربا بتهديد النزيف الداخلي عرض الحائط.. وهكذا فعلت يا هند.. تذكرت ذات خطبة على رأس الجبل.. أيها الإنسان لابد أن تضحي من أجل إسعاد الآخرين، ولا تلتفت لمن لا يعنيهم هذا الأمر، ولا تنظر لمن لا يدركون تضحياتك المتعددة أو على الأقل التضحية الأخيرة التي تسجلها حروف الحب الأبوي في أسمى معانيه، وأعلى مراتبه، أعتقد أنني كما كنت منذ أن عرفت الدنيا، فهل تغير شيء ما في حياتي بعدك يا هند؟