جدارية تضم 304 قطع فسيفسائية، تتكون منها الرواية، والتي تتطلب صبراً، كي يتتبع القارئ مصائر البشر، وتداخل مآسيهم، ووصل ما انقطع أحياناً من حكاياهم، حتى بلوغ حجر الفسيفساء الأخير الذي يكمل الجدارية. من حادثة تصلح لكي تكون قصة قصيرة ربما، ولد جرح كبير في روح الكاتب، وظل يتضخم حتى كانت تلك الرواية الملحمية، التي سجلت جوانب تاريخية، ودخلت دهاليز السياسة والأحداث الكبرى التي غيّرت وجه الشام أكثر من مرة. إلى بعيد؛ يذهب الروائي الألماني السوري رفيق شامي في عمل ملحمي يؤرخ للوطن وناسه وكذلك لعشّاقه المقهورين، لتبرز روايته الجانب المظلم للحب، حكايا مأساوية، لرجال ونساء اتبعوا ما أملته عليهم القلوب، في بيئات مقسّمة إلى قرى ومناطق بديانات وعشائر متباينة. سيرة ولد رفيق شامي، واسمه الحقيقي سهيل فاضل، في دمشق عام 1946. درس الرياضيات والفيزياء والكيمياء كي يعمل معلماً في المدارس، غير أنه ترك البلاد عام 1971 إلى ألمانيا حيث أكمل دراسته للكيمياء، وحاز الدكتوراه عام 1971، وعمل لسنوات عدة في تخصصه، كما ورد التعريف به في مقدمة ترجمة رواية الجانب المظلم للحب. صدر كتابه الأول بالألمانية عام 1978، وتفرّغ للعمل الأدبي منذ عام 1982. منح عشرات الجوائز تقديراً لأعماله في ألمانيا وفي خارجها، ويعد حالياً واحداً من أنجح الكتاب في ألمانيا. وهو عضو في أكاديمية بافاريا للفنون الجميلة منذ عام 2002. ترجمت أعماله إلى لغات كثيرة. ومن أعماله: التقرير السري عن الشاعر غوته (2005)؛ ويدي ملأى بالنجوم (2008)، وحكواتي الليل (2010)، وقرعة جرس لكائن جميل (2012). تصدى لترجمة رواية الجانب المظلم للحب واحد من أبرز المترجمين وأبرعهم، هو خالد الجبيلي، الذي تمكن من نقل عوالمها، وصفحاتها المكتنزة، ما استدعى إشادة المؤلف رفيق شامي الذي اطلع على الترجمة، وصنعها على عينه، قائلاً: وجدت متعة كبيرة في قراءة نص الرواية كما ترجمه خالد الجبيلي قراءة دقيقة ومقارنته بالأصل وتنقيح ما أخطأ الهدف.. سرني العمل بهذه الرواية، وأعاد ذكرياتي كلها عن زمن كتابتي لها، وأثار فضولي في البحث المجدد عن الحقيقة عندما كانت ترجمة خالد تطرح سؤالاً ما عليّ. شخصيات وصفحات، وأيضاً دماء وأقبية مخابرات وخيانات، كثيرة، تحتشد بها رواية رفيق شامي الألفية (1038 صفحة)، والتي أرهقت وطلّعت روح مبدعها، على حد تعبيره في تقديمه لـالجانب المظلم للحب التي نقلها إلى العربية المترجم خالد الجبيلي، وصدرت حديثاً عن دار الجمل. جدارية تضم 304 قطع فسيفسائية، تتكون منها الرواية، والتي تتطلب صبراً على القراءة، كي يتتبع المتلقي مصائر البشر، وتداخل مآسيهم، ووصل ما انقطع أحياناً من قصصهم، حتى بلوغ حجر الفسيفساء الأخير الذي يوضح من خلاله المؤلف رفيق شامي بداية الرحلة ونهايتها، وكيف كانت المسيرة، ومن أي حادث انطلقت: في عام 1962، قتلت امرأة مسلمة شابة أمام عيني وأمام أعين جميع جيراننا لمجرد أنها تجاوزت خطوط الانقسام الديني وأحبت رجلاً مسيحياً، المحزن في الأمر هو أن الرجل لم يكن جديراً بذلك الحب، لأنه كان زير نساء. قرن كامل سلسلة لا نهاية لها من الحكايات.. تبدو رواية رفيق شامي، خصوصاً أنها اتخذت مدى زمانياً طويلاً، ربما يصل إلى قرن كامل، من قبل عام 1900، إذ ظلت حادثة القتل المحورية والكاتب السوري رفيق شامي في الـ16 من العمر (عام 1962 كما سجلت بالرواية)، محفورة بداخله، وعمل على وضع مخططها الأول منذ مرحلة مبكرة، كما روى، ولم تخرج الجانب المظلم للحب إلى النور إلا بعد عشرات السنين، وبعد أن عايشها الكاتب لفترات طويلة، وجمع الكثير من الوثائق إلى حد أنه تكونت لدي مكتبة مخصصة كلية للرواية: حوالي مئتي كتاب وأرشيف كبير يضم نسخاً من نصوص قديمة وصور أشخاص وشوارع وبيوتاً وملابس وأماكن وخرائط ومخططات لمدينة دمشق ولسجون تدمر وعدرا والمزة وصيدنايا على مر السنين، وقد أطلقت على هذا الجزء من مكتبتي اسم الحب المحرم. من أقصوصة وحادثة ربما، ولد جرح كبير في روح الكاتب، وظل يتضخم حتى كانت تلك الرواية الملحمية، التي سجلت جوانب تاريخية، ودخلت دهاليز السياسة والأحداث الكبرى التي غيّرت وجه الشام أكثر من مرة، عبر احتلالات وتقسيمات بالجملة، علاوة على اهتمام الرواية بالأساس بما يحتل نفوس شخصياتها من اختلالات، وما يعتمل في الذات الجماعية من أمراض، تشرْعن القتل تحت اسم الشرف الرجولي، وتستبيح الدم، لاسيما حينما يكون طرفا الحكاية حبيباً وحبيبة من عقيدتين مختلفتين، أو حتى من مذهبين أو عشيرتين متصارعتين منذ أمد. تحفر الرواية وراء شخصيات كثيرة تحتاج إلى تدوين، كي لا يتوه القارئ بين العشرات منها، والعائدة غالباً إلى فرعين متنافرين، إلى شجرتي عائلتي شاهين ومشتاق اللتين لا يقتصر صراعهما على مكان محوري شهد بدايات الأزمات، بل يمتد ليصل إلى دمشق، حيث تلاقى قلب من هنا، وقلب من هناك، واصطدما بأن الجمع بينهما محكوم بالصراع القديم، لذا كان الهروب درب النجاة، من وجه العائلتين وثاراتهما، وكذلك من مطاردات استحكمت حلقاتها حول أحد أبطال العمل (فريد)، ومن اختارته من الطرف الآخر (رنا). ربما آثر رفيق شامي السرد بشكل أفقي، ومطاردة أحداث وشخصيات وأمكنة بالجملة، لكن لم يغب العمق وسط كل ذلك؛ فثمة محطات محورية، وأبطال يستدعون التعاطف والبكاء على مصائرهم، ليس في تلك الثنائيات المحبة المتمردة على مجتمعها فحسب، بل في آخرين عاديين، عبروا الرواية بشكل سريع، لكن كانت مشاهدهم القليلة حافلة بدراما مكثفة اكتنزتها الرواية في مقطع سردي قصير. احتفاء ألماني وعالمي حظ الرواية في لغتها الأصلية (الألمانية)، كان على خلاف ما توقّع مبدعها رفيق شامي، الذي كان طموحه لا يتخطى توزيع ما بين 5000 إلى 10 آلاف نسخة، ونيل رضا وثناء بعض النقاد والمتخصصين، مقابل ما سيتكبده الناشر من كلفة كبيرة، في سبيل رواية تجاوزت الألف صفحة. ولكن بعد صدور الرواية في عام 2004، وخلال فترة قصيرة جداً تصدرت الرواية قائمة المبيعات، وملأت صفحات النقد الأدبي، وخصصت لها صفحات كاملة في كبرى الصحف والمجلات الألمانية. وظلت الرواية تتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً طوال 35 أسبوعاً. وترجمت الرواية، رغم ضخامتها، إلى أكثر من 10 لغات، منها الإنجليزية واليابانية والنرويجية والفنلندية.. وتصدرت الرواية أيضاً قائمة المبيعات في إيطاليا وإسبانيا لمدة نصف سنة. كما أشاد بها عدد كبير من النقاد، وأثنوا عليها في كبرى الصحف العالمية. لو تنبأ أي صديق بهذه الحقيقة لأشفقت على شفقته عليّ، كما ذكر رفيق شامي في تقديمه للطبعة العربية من الرواية. ومن أجواء الرواية: كان يوماً مشمساً من أيام آذار لكنه كان يوماً شديد البرودة، وكانت متلهفة لرؤية يوسف. انتقلت من حافلة إلى أخرى ثلاث مرات، وكانت تتطلع حواليها لتتأكد من أحداً لا يتبعها. ملأ شعور بأن أحداً لم يكن يراقبها قلبها بالطمأنينة، لكن المظاهر خادعة. إنه جنون، قالت ليوسف لاحقاً في المقهى وهي لاتزال تفكر بأمها: يقبل ويرضى المسلمون والمسيحيون أن يعملوا في التجارة ويحزنوا ويحتفلوا ويموتوا في الدفاع عن الوطن معاً، لكن لا يسمح لهم بأن يحبوا بعضهم بعضاً. وإذا تجرأ شاب وشابة أن يحبا بعضهما يكون الجواب هو الموت. والعرب يتمسكون بذلك أكثر من تمسكهم بأي مبدأ آخر، وضغطت على يد يوسف بقوة إلى حد أن آلمت أصابعه. إني أكره فكرة أن أكون السبب في موت أحد لأني أحبه، قال يوسف: إذ يعتريني إحساس بأنني أدعو شخصاً بريئاً لقيادة سيارة مع أنني أعرف أن مكابح السيارة عاطلة. إن مجرد التفكير بذلك يجعلني أفقد عقلي. فالشاب المسيحي يسيء إلى المرأة المسلمة إذا أحبها. وفي بعض الأحيان، فإني أكره نفسي بسبب ذلك.