من المسلَّم به أن الإعلام الأمريكي - رغم الكثير من هناته - يأتي في مرحلة متقدمة جدا من حيث المهنية، وهو الإعلام الذي تخرج فيه، وينتمي إليه فطاحلة هذه المهنة الشاقة، من أمثال بات بوكانن، وبيتر جيننق، ودان روذرز، وجورج ويل، ولاري كنق، وكوبر اندسون، وغيرهم مما لا يتسع المجال لذكرهم، ولا يمكن لمن يعمل في الإعلام في هذا الكون الواسع إلا أن يعرف الصحافية الأمريكية الشهيرة، والكاتبة هيلين توماس، فهي علم في رأسه نيران «متقدة»، وهناك أسباب عدة لشهرة هذه الصحافية اللامعة، والتي ولدت في ولاية كنتاكي الأمريكية، قبل حوالي القرن، فإضافة إلى تميزها المهني، وجرأتها، تتمتع هيلين بذكاء حاد، وكاريزما مذهلة، أضف إلى ذلك أنها عملت كمراسلة صحافية لتغطية البيت الأبيض، ثم عميدة لمراسلي البيت الأبيض، وهذا أعلى «برستيج» يمكن أن يحصل عليه أي صحفي محترف، وقد عملت السيدة الحديدية مع أحد عشر رئيسا أمريكيا!، بداية من ديويت أيزنهاور، في بداية الخمسينيات الميلادية، حتى بداية عهد الرئيس باراك اوباما، مرورا بالرؤساء جون كنيدي، وليندن جانسون، وريتشارد نيكسون، وجيري فورد، وجيمي كارتر، ورونالد ريجان، وجورج بوش الأب، ويليام كلينتون، وجورج بوش الإبن، وهي مسيرة حافلة، ومثيرة لهذه الصحفية العتيدة، ذات الأصول العربية، اذ إن والديها مهاجران من مدينة طرابلس اللبنانية! وعلى مدى أكثر من خمسة عقود، كانت هيلين هي ملح المؤتمرات الصحفية للرؤساء الأمريكيين، فهي حاضرة الذهن، وجريئة، وقد كان كل هؤلاء الرؤساء يسألون عنها دوماً، ونشأت بينها، وبينهم علاقة «حب - كره» متبادلة، فهم يدركون مدى تميزها، وشعبيتها الجارفة، وبذات الوقت يخشون مشاغباتها المتكررة، ومساجلاتها التي تحرجهم كثيراً، ولها تاريح حافل مع كل هؤلاء الرؤساء، فقد سجلت ذاكرة التاريخ كثيراً من الأسئلة التي طرحتها السيدة هيلين على دهاقنة السياسة الأمريكية، وتحديداً الرؤساء الكبار جداً، أمثال كينيدي، ونيكسون، وبوش الأب، وكلينتون، وهي صاحبة المقولة الشهيرة بأن الرئيس بوش الابن هو أغبى رئيس في التاريخ الأمريكي!، وقد دفعت ثمن ذلك، فقد تمت معاقبتها، وذلك بأن جعلها رجال بوش الابن تجلس في الصف الخلفي أثناء المؤتمرات الصحفية له، بدلاً من مقعدها المحجوز دوماً في الصف الأول!، ولم تكترث البتة، فهي تعلم أن تغيير مكان جلوسها لن يغيّر من الأمر شيئاً، فالناس ستبحث عنها، وعن إثارتها أياً كان موقعها! السيدة هيلين توفيت قبل أيام عن عمر ناهز الثالثة والتسعين، وقد ماتت ربما من «القهر» فقد تسلطت عليها منظمة ايباك الصهيونية، ومن لف لفها، وذلك بعد تصريحها الشهير عن اليهود قبل أكثر من عامين، ولهذا حكاية سأستعرضها في المقال القادم. ahmad.alfarraj@hotmail.com تويتر @alfarraj2