رخّصت كوريا الجنوبية تقنية سعودية لصناعة تكرير النفط، حيث ستعمل مصفاة ضخمة تابعة لشركة «إس أويل» الكورية بتقنية جديدة تم ابتكارها وتطويرها في معامل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. ونجحت جامعة الملك فهد كأول جامعة في المنطقة في تحويل نتائج البحث العلمي الأساسي إلى تقنية تستخدم على مستوى صناعي تدر ملايين الريالات على الاقتصاد الوطني من خلال ابتكار وتطوير تقنية تحفيزية لتكسير وانتاج النفط الثقيل HS-FCC نفذها فريق بحثي من الجامعة بقيادة البروفيسور حليم حامد رضوي. وقامت الجامعة بجهود كبيرة لاستقطاب شركاء للاستثمار في هذه التقنية وإيصالها للسوق العالمية، حيث تم تطوير هذه التقنية من خلال تحالفات عالمية تجاوز حجم استثماراتها 250 مليون دولار على مدار 20 عاما. وتعتبر تقنية تكسير النفط الثقيل أول تقنية سعودية تغزو الأسواق العالمية، بعد تجاوزها مراحل التسجيل كبراءة اختراع ثم الترخيص التجاري والنمذجة على مستوى صناعي ليتم استخدامها مستقبلا في بناء معمل تكرير ضخم يدر ملايين الريالات على الجامعة وشركائها في تحالف تطوير تقنية التحفيز لتكسير وانتاج النفط الثقيل. أول قصة نجاح وذكر المشرف على نقل التقنية والابتكار والريادة في الجامعة الدكتور سمير البيات، أن تقنية تكسير النفط الثقيل تعتبر أول قصة نجاح لجامعة سعودية تصل بتقنيات تم إنتاجها من خلال البحوث الأساسية إلى الأسواق العالمية للتقنية المتقدمة، وأضاف أن هناك قصص نجاح أخرى للجامعة في تحويل مخرجات البحوث في مجال تنقية المياه شديدة التلوث والتي تم ترخيصها إلى شركة أمريكية ناجحة تقوم الآن بانتاج المياه المنقاة وبكميات شبه تجارية، وتابع إن ما يميز هذه التقنية أنها تطبق في كوريا الجنوبية التي تعتبر من أكثر دول العالم تقدما في تقنيات تكرير النفط وبناء مصافي التكرير، حيث يعتبر اختراق أسواق التقنية الكورية للتقنية بتقنية تكرير أمراً صعباً للغاية. وقال الدكتور البيات إن نجاح جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في ترخيص تقنية متقدمة يتم إنتاجها بشكل تجاري كبير (76 ألف برميل يوميا من المشتقات النفطية) مما يدر على الجامعة ملايين الدولارات سنويا, يعتبر إنجازًا فريداً من نوعه على مستوى جامعات المنطقة. ويعتبر ذلك مؤشرا على أن الجامعة تجاوزت مرحلة الحصول على براءات اختراع إلى تسويق التقنية وتحويلها إلى مشاريع إنتاج صناعية أو شركات تقنية ناشئة، وبالتالي فإن جامعة الملك فهد بهذا الإنجاز تساهم بشكل فعال في أنشطة التحول الاقتصادي للمملكة. وأوضح د. البيات أن الجامعة تهدف، في ظل وجود وادي الظهران للتقنية وعدد وحجم مراكز بحوث وتطوير الشركات العالمية والوطنية الموجودة في الوادي، وإنشاء كلية البترول وعلوم الأرض مؤخراً، فضلاً عن عدد براءات الاختراع الصادرة باسم الجامعة، واكتمال المنظومة الابتكارية للجامعة، إلى أن تصبح عاصمة عالمية لبحوث وتطوير النفط والغاز بحلول العام 2020 بإذن الله. التحول إلى الاقتصاد المعرفي من جانبه قال مدير مركز الابتكار في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور إياد الزهارنة إن المملكة تولي اهتماما كبيرا بالتحول إلى الاقتصاد المعرفي، واعتبر الزهارنة وصول تقنية سعودية للسوق العالمية مؤشراً هاماً لهذا التحول. وأوضح أن الاقتصاد المعرفي يعني أن تحصل على إيرادات مالية بناء على معرفة ومنتجات فكرية، ولا يعني فقط تصنيع منتجات صناعية لأغراض محلية، بل يرتكز على تطوير منتجات تقنية تدر عوائد على الاقتصادات المحلية، وقال «لأول مرة تقوم جامعة سعودية بتصدير منتج تقني في صناعة معقدة جدا وتحويل فكرة تم تطويرها في مختبرات بحوث جامعية إلى إنتاج صناعي سيعود على الجامعة بمردودات مالية نتيجة ترخيص الفكرة لشركات عالمية». وحول قصة تقنية محفزات تكسير النفط الثقيل، يقول الزهارنة: إن الجامعة نفذت بحثا علميا وحصلت على براءة اختراع وقامت بتطوير التقنية على مدى 20 عاما. وكانت البداية في مختبرات الجامعة حيث صمم باحثو الجامعة النموذج المخبري للمصفاة الذي لم يتجاوز إنتاجه 0.1 برميل في اليوم. وبالتعاون مع شركة أرامكو السعودية انتقل المشروع إلى مرحلة النمذجة والتطبيق العملي، حيث ساهمت شركة أرامكو في بناء نموذج مصفاة في رأس تنورة ينتج 30 برميلا في اليوم، ودعمت أرامكو السعودية المشروع من خلال توفير الموقع والمساهمة في التصميم والنمذجة وتوفير الموارد البشرية والتشغيل. كما وفرت الشركة اللقيم للمصفاة وساعدت على التخلص من النفايات الصناعية. معالجة تقليدية ولأخذ التقنية إلى مراحل أكثر تقدما أنشأت الجامعة تحالفا مع شركة نيبون اليابانية ونتج عن التحالف بناء نموذج وصل إنتاجه إلى 3000 برميل في اليوم، وتم ترخيص التقنية لشركة أكسنس الفرنسية كحليف جديد، وقامت شركة اكسنس بتصميم عملية المعالجة المبتكرة، ووصل حجم إنتاج التقنية إلى 30 ألف برميل، وفي نهاية المطاف تم بيع التقنية إلى شركة إس أويل الكورية ألتي انشأت معملا ضخما قائما على التقنية سيصل إنتاجه إلى 76 ألف برميل في اليوم وصولا إلى 120 ألف برميل في اليوم بنهاية العام 2015. وأوضح الزهارنة أن هناك طريقة معالجة تقليدية للنفط الثقيل، لكن الزيت الثقيل جدا يصعب تكسيره بواسطة الطرق التقليدية، ولذلك ابتكرت الجامعة طريقة معالجة ميكانيكية خلاقة ساهمت في زيادة فعالية الطرق التقليدية مما مكن من تكرير أثقل أصناف البترول وإيجاد قيمة مضافة لأصناف من النفط لم يكن بالإمكان سابقا الاستفادة منها، وبالتالي فتحت سوقا جديدا للتقنية كما نفذت شركة أكسنس الفرنسية التصميم لخبرتها الطويلة في تصميم المصافي. وأضاف أن من الفوائد الرئيسية لهذه التقنية زيادة إمكانية الحصول، إضافة للمشتقات النفطية السائلة، على الالكينات مرتفعة القيمة مثل البروبان الذي يستخدم في صناعة البروبالين والبولي بروبالين التي تعتبر من أهم اللقائم الصناعية في صناعة البتروكيماويات وتستخدم في مجالات متعددة. تصدير التقنيات وحول تقنيات أخرى صدرتها الجامعة إلى دول أخرى ذكر د. الزهارنة أنه تم تأسيس شركة GRADIANT بناء على تقنيات رخصتها الجامعة لشركة أمريكية ناشئة. التقنية تم إنتاجها من خلال بحوث علمية في مجال تحلية المياه شديدة التلوث نفذتها الجامعة بالتعاون مع جامعة MIT الأمريكية، ولا تزال في مرحلة الإنتاج شبه التجاري، أما بالنسبة إلى التقنية التي تم تصديرها إلى كوريا الجنوبية فقد اكتملت دورة التقنية وهناك مصانع يتم بناؤها على تقنية من الجامعة وتحصل الجامعة من خلالها على عوائد بالملايين. وأشار الى أنه وبالرغم من نجاح الجامعة في السنوات الأخيرة في تصدير التقنيات إلى الأسواق العالمية إلا أنه لا يزال هناك قصور في سلسلة الإمداد الابتكاري في المملكة ويشمل ذلك ثقافة ريادة الأعمال التقنية والاستثمار الجريء والنمذجة والمهارات التسويقية للتقنية. ومع أن الجامعة تقوم من خلال منظومتها الابتكارية بالعمل على سد هذه الفجوات إلا أنها لم تنتظر حتى تنجز هذه المهمة بل قامت بالاستفادة المثلى من خلال تحالفات الجامعة البحثية العالمية للوصول بتقنياتها إلى الأسواق العالمية. وبالتوازي مع ذلك تعمل الجامعة على إكمال منظومتها الابتكارية، وقطعت الجامعة في هذا المجال شوطا كبيرا فلديها وادي الظهران للتقنية والذي يعد التجمع البحثي الأكبر عالميا في مجالات النفط والغاز ومعهد ريادة أعمال وحاضنة أعمال متطورة ومركز نمذجة تحت التأسيس إلى غير ذلك من العناصر الضرورية لإكمال المنظومة. استقطاب الشركات وأضاف د. الزهارنة أن صناعة التكرير والبتروكيماويات في المملكة وقفت لسنوات طويلة عند مرحلة معينة، حيث تأخذ المصافي وشركات البتروكيماويات مواد خام وتحولها إلى منتجات أولية تستخدم كلقيم لصناعات أخرى في مناطق أخرى من العالم، أي أن صناعة التكرير والبتروكيماويات في المملكة تقف في مرحلة مبكرة جدا. وتابع «مع إنتاج تقنيات تكرير حديثة ترتفع الكفاءة وتزيد الفرص، ونذهب إلى مراحل أبعد في الصناعة، لأن الإمكانيات والفرص الاستثمارية والوظائف في صناعة التكرير والبتروكيماويات أكثر من فرص صناعة الاستخراج، ولذلك سيتم التركيز في وادي الظهران في مرحلته الثانية على استقطاب شركات التكرير والبتروكيماويات، وقد افتتحت شركة سبكيم مركزها مؤخرا كما أن هناك مباحثات مع عدد من الشركات البتروكيماوية الكبرى للانضمام إلى الوادي وتكثيف أنشطة البحث والتطوير في هذه الصناعة المهمة». وقال الزهارنة إن وصول التقنيات السعودية إلى الأسواق العالمية سيشكل نموذجاً للتركيز على المشاريع البحثية ذات العلاقة بالاحتياجات الاستراتيجية ذات القيمة المضافة للمملكة، وتغيير نمط تفكير الباحثين وعدم الاعتماد على السوق المحلي فقط لتسويق المنتجات والتوجه للأسواق العالمية، معتبرا أن ذلك يساهم في عمليات التحول الاقتصادي والذي يعد من الأهداف الاستراتيجة للمملكة.