فاجأ الممثل الأسترالي جويل إيدجيرتون محبيه بإخراج فيلمه الطويل الأول "الهدية - The Gift" الذي يحمل ملامح أسلوب إخراجي قد ينضج وينتج أعمالاً أهم في المستقبل. وكان إيدجيرتون قد لفت الأنظار ممثلا في فيلمي "جاتسبي العظيم -The Great Gatsby" عام 2013 وBlack Mass عام 2015. كما أنه يؤدي أيضاً دوراً أساسياً في فيلمه هذا، وهو وإن كان ينتمي إلى أفلام التشويق لكنه يركز في الناحية النفسية، ويتمكن في لحظات كثيرة من أن يحبس الأنفاس. يبدأ الفيلم بعدة لقطات لممرات خالية في بيت فارغ وبموسيقى تعطي إحساساً بأن شيئاً ما قد حدث أو يوشك على أن يحدث، وهي بداية موفقة جداً، خصوصا حين نعرف أن هذه الممرات ستشكل مسرحاً لبعض الأحداث المهمة. نشاهد في صالة البيت موظفة في مكتب عقاري تلتقي زوجين انتقلا حديثاً إلى المدينة التي يتضح فيما بعد أنها لوس آنجلس. الزوج هو سايمون -جيسون بيتمان- الذي تعين حديثاً مديراً في شركة كبرى في مجال الأمن والسلامة، أما الزوجة فتدعى روبين -ربيكا هول- وهي تشعر بالارتياح لانتقالها من شيكاغو بعد أن أجهضت طفلاً كانت تنتظره منذ زمن. يبدو البيت جميلاً وفي منطقة ثرية، يتناسب مع دخل الزوج العالي وذوق الزوجة التي تعمل في مجال التصميم الداخلي. يلتقي سايمون وروبين أثناء تسوقهما بجوردو -ايدجيرتون-، ويعرف جوردو بنفسه كزميل دراسة لسايمون في المرحلة الثانوية، وبعد ذلك يتذكره سايمون بصعوبة. يبدو اللقاء عابراً، ولكن جوردو يتردد كثيراً على المنزل الجديد وخاصة في غياب سايمون ويغرق الزوجين بالهدايا. ينزعج سايمون من هذه الزيارات، ويعبر لروبين عن عدم ارتياحه لجوردو، لكن روبين تعارض سايمون وتؤكد له أنه شخص لطيف وتشعر بأنه مساعد جيد لها خاصة وأنها تبدو وحيدة منذ انتقالها. تتطور الأحداث لتكشف خلفيات وتعقيدات كثيرة في علاقة سايمون بجوردو وماضيهما معاً. مع أن هناك أكثر من حادثة لا تبدو منطقية كثيراً، كزيارة سايمون وروبين لجوردو في منزله بعد دعوته لهما، خصوصا أن ذلك قد تم بعد أن اكتشف جوردو سخرية سايمون منه وعدم احترامه له، كما أن بعض الأحداث أيضاً لا تبدو جديدة بالكامل، ولكن الفيلم في أكثر من مشهد يتمكن من أن يفاجئ المشاهد بمنعطفات في الأحداث. الجدير بالذكر أن هذا الفيلم هو السيناريو الرابع لإيدجيرتون بعد أن كتب سيناريو فيلم "The Square" و"Felony" و"The Rover"، ويمكن القول إن ما يحسب له كمخرج هو أداء الممثلين الذي كان مقنعاً جداً، والسرد البصري الذي كان معبراً وأضفى كثيرا من أجواء الترقب والتشويق. ويذكر إيدجيرتون أنه كان يفكر في فيلم على طريقة المخرج النمساوي ما يكل هانيكيه في فيلم "Cache"، ورغم أن الفيلمين يتحدثان عن ملاحقة شخص من الماضي لشخص تبدو حياته جيدة وسعيدة، ثم تكشف الملاحقة تفاصيل مزعجة عن ماضيه، لكن فيلم هانيكيه يتجاوز مجرد حبكة تشويقية لما هو أبعد بكثير، فاختيار الشخص القادم من الماضي كجزائزي، والشخص الذي يلاحقه هو فرنسي، وذبح الجزائري لنفسه، تعطي دلالات أكبر على ما يريد هانيكيه أن يعبر عنه من أن ماضي الدول الاستعمارية سيلاحقها من خلال من إرهابيين يقومون بأعمال انتحارية هي تعبير عن وضع مأزوم تعيشه هذه الشعوب نتيجة لاستعمارها لسنوات، وأن الدول المستعمرة عليها أن تدفع ثمن ماضيها. والمعروف أن هانيكيه يتناول، في كل أفلامه، حدثاً إجرامياً أو شخصية منفرة في سلوكها وطريقة تفكيرها، ليغوص في تفاصيل تجعلنا نستشف الأسباب والظروف التي تدفع بشخصية كهذه لارتكاب فعل إجرامي أو أعمال منفرة، ولكنه في "Cache" ذهب لما هو أبعد من الشخصي وتناول البعد السياسي والاجتماعي وكان أكثر رمزية واختزالاً من بقية أفلامه. ولذلك فمن الصعب مقارنة فيلم "Cache" بفيلم "الهدية" الذي لم يتناول من هانيكيه سوى القشور، ومع ذلك يظل حتى في تناوله السطحي هذا قد قدم أحداثاً مشوقة وأسلوباً خاصاً ورسالة مهمة حول أن الماضي الشرير سيلاحق صاحبه حتى النهاية.