×
محافظة الرياض

اللجنة الأولمبية وجامعة الملك سعود تنظمان ورشة اللياقة البدنية

صورة الخبر

يوجد النقد في حياتنا الشعبيّة/ المجتمعية بصورة أو بأخرى، ونمارسه في كثير من الأحيان في مداه العفويّ عبر مستويات متباينة وأنماط متعددة؛ تنتجه حالة ثقافية يتماهى فيها الظاهر الشعبيّ مع الباطن/ العمق المعرفيّ. وفيما تتخذ النكتة الشعبية في ظاهرها العام لبوساً فكاهياً؛ تصنعه في الغالب أريحية اجتماعية ذات قدرة دقيقة في قراءتها لمجموعة الظروف الحياتية اليومية، عبر ما لديها من مجموعة المجسّات المتنوعة والفائقة في التقاط الصورة الحسيّة، بصريّةً أو سمعيّةً أو غيرها، تبرز النكتة الشعبية ذاتها، كواحدة من أهم أدوات ووسائل النقد الاجتماعي سواءً كان في معناه الشعبيّ البسيط، أم كان في عمقه الدلالي والتكويني. وإننا نجد مثل هذا في ثقافة الشعوب عامة؛ إذ يشكّل هذا الجنس الأدبي الشعبيّ وفرةً لافتة في كتب التراث الشعبي القديم لدينا، وهذا ينطبق على الاسترسال في شخصيات باتت منطبعة في وجداننا فضلاً عن ذاكرتنا التقليدية، كما في شخصيات جحا، وأشعب، اللذين تعددت الأقوال في نسبتهما إلى أكثر من ثقافة فلكلورية، ومنها الثقافة الشعبية العربية، كما يجري نسبتهما إلى ثقافات وأقوام آخرين. ولأنّ هذا الفنّ الأدبيّ يتطلّب بداهة واستعداداً نفسياً واجتماعياً يساعد في انتشاره وتمويجه، يتباين الإبداع في ممارسته تبعا لتمايز واختلاف القدرات بين النّاس؛ حيث يتمّ تعريف هذا النوع من الأدب الشعبي بأنه: تلخيص مكثف لموقف يبرز ما فيه من تناقض أو مفارقة، وإذا كان للمفارقة أشكال تتراوح بين الإبكاء والإضحاك، فالنكتة هي صورة هذا الأخير، وإن جاء أحياناً في صورة سخرية من وضع مأساوي على طريقة التراجيكوميديا (التراجيديا + الكوميديا)، أوالمُضحك المبكي أو شر المصائب ما يضحك؛ كما يعبّر عن ذلك المتنبي، في كافوريّته الشهيرة: ولكنّه ضَحِكٌ كالبُكَا. وفي عصرنا تبرز حاجة الإنسان لاستخدام هذا النوع من مواد الإبداع الشعبي بكثرة خاصة في أوقات الأزمات الاقتصاديّة، أو السياسيّة، أو الخدميّة، أو الاجتماعية، في توظيف ذكيّ باستخدام هذا الفنّ الجاذب لامتلاك أكبر مدى اجتماعي؛ ثم الدخول إلى وجدانهم عبر هذه المادة التي يمارس عبرها الناس دوراً نقدياً ظاهراً، في شكل ناعم، وصيغة جادة، ولذلك ينظر كثير من المشتغلين بالنقد إلى النكتة التهريجية بأنها عبثية وسطحية مع أنها وافرة الحضور والتفاعل شعبياً، إلا أنها لا تحظى بقيمة فنيّة وإبداعية. وفيما تحاول النكتة الشعبية الجادّة أن تصنع حالة الإدهاش المتوقعة، يجري اعتبارها كوسيلة تعبير وتنفيس لأي احتقان اجتماعي أو سياسي أو غيره؛ فالنكتة الشعبية كصيغة نقديّة لها قدرة النفاذ واختراق ما تعجز عنه الوسائل التي في قوّة الفولاذ. وكما يقولون في الغرب: عندما تشعر أن الحقيقة تؤلم، استخدم نكتةً؛ كما تقول أستاذة علم الفكاهة ماري هيرش: النكتة سيف مطاطي؛ إنها تشير إلى موقع الألم، دون أن تسفك قطرة دم. هذه المادة الشعبية بعد ظهور الإعلام الحديث، وتنامي أشكال ومفردات التواصل الاجتماعي في عالم تحول الافتراضي فيه إلى حقيقي، والحقيقي إلى افتراضي، وهذا المنطق الذي يفسّر علوّ كعب هذا الجنس الأدبي الذي امتطى صهوة وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة، وحولها إلى كائنات ناقلة تعبر الآفاق وتمتدّ جسيماتها الضوئية كخيوط تنسج المعنى المضمر خلال مدة زمنية لا تزيد عن أجزاء الثانية الواحدة. وهذا ما يتيح حالياً لوسمٍ تويتريٍّ ساخر أو عبارة تتقمص النكتة الشعبية، وهي تختزن أعلى قيم النقد الحقيقي، لتغدو لازمةً صوتيةً وبصرية في فضاء يبدأه الفرد ثم يتبناه المجتمع، وبين توتّر يُقلق، ومُتَوتِرٍ يُطرِق، ثمّة ضرورة يسترخي فيها المجموع على أبواب نكتةِ شعبيةِ ولو كانت مزعجةً للبعض.