أثار سقوط الطائرة الروسية بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ الأسبوع الفائت مخاوف أمنية وسياسية، سببها معلومات استخبارية بريطانية تفيد أن الحادث وراءه عمل تخريبي إرهابي، تبعتها حملة ترحيلات واسعة للسياح الأجانب من الأراضي المصرية تحسباً لأي عمل إرهابي طارئ، الحادث له أبعاد سياسية مربكة بسبب الظروف الأمنية في مصر وما يترتب عليها من بناء الثقة في التدابير التي تتخذها القاهرة في محاربة الإرهاب والقضاء على مظاهر العنف نهائياً. الوجه السياسي للحادث برز أثناء زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى لندن في التوقيت الذي أعلنت فيه هذه الأخيرة المعلومات الاستخبارية، الشيء الذي ألقى بظلاله على الزيارة، مما حرف أجندة الزيارة واهتمامها من الأسباب التي جاءت الزيارة تلبية لها إلى التعامل مع المعلومات الاستخبارية البريطانية التي تدعي بوجود عمل تخريبي يقع خلف الحادث، كما أضاعت فرصة التسويق السياسي للرئيس المصري في الأوساط السياسية البريطانية خاصة المعارضة، بأنه رجل مصر القادر على تجاوز المصاعب الأمنية والسياسية كرئيس منتخب، وإبراز الطابع الشرعي والشعبي له، مما جعل الأطراف المتعاطفة مع القاهرة تشك بالدواعي التي تقف وراء إعلان المعلومات الاستخبارية، حيث ذهبوا إلى أن ثقافة احترام الزيارات الرسمية تقتضي التريث بنشر المعلومات حتى انتهاء الزيارة وهذا على افتراض أن المعلومات صحيحة، ومما زاد حالة الغضب المصري هو مساندة الجانب الأميركي للنشر وتلميحه بأن الجماعات الإرهابية مخترقة للأمن المصري. حادث سقوط الطائرة لو كان في دولة غير مصر لكانت المعالجة الاستخبارية والوقائية مختلفة، فحالة الإرجاف التي أصابت بعض العواصم الغربية وخاصة التي اعتاد شعبها على السياحة في شرم الشيخ تنبأ عن توجه جديد في التعامل مع المخاطر الأمنية في مصر، الأمر الذي يجعل شرم الشيخ منطقة غير صالحة للسياحة وهي مدينة قامت على هذه الصناعة، فتعطيل السياحة فيها ضربة موجعة للاقتصاد المصري، فتركيا دولة شهدت بعض الأعمال الإرهابية وتقع حدودها في مواجهة مباشرة مع منطقة ملتهبة ويتوافد على مطاراتها أعداد ليست قليلة من العناصر الإرهابية التي تلتحق بالقتال في صفوف داعش ولم تواجه هذه الإجراءات الاحترازية الصارمة من الدول الغربية أو منع مواطنيها من الذهاب إليها، التعاطف مع القاهرة ليس هدفه تجاوز الإجراءات الأمنية والقفز على ضعفها إن وجد لمجرد أن مصر تمر بظروف صعبة وتتطلب المساعدة، ولكن مستوى التحذيرات وتتابعها المخيف شيء يثير الاستغراب، ويؤدي إلى النظر بعواقبها الاقتصادية والسياسية، وأمر يجعل المراقب الذي يجنح إلى بعض التشاؤم ينظر إلى داعش كأداة عقاب تسلطها بعض الدوائر الاستخبارية على الدول التي تريد معاقبتها، هذا إن كان المراقب متشائماً، أما الذي يحتفظ ببعض نواياه المتفائلة لن يكون أكثر تفاؤلاً من زميله المتشاؤم، ويسأل عن سبل التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وخاصة في شقه الاستخباراتي، فالمعلومة التي أعلنت بعد الحادث مباشرة، يثير توقيتها عدة أسئلة، فهل كانت متوفرة قبل الحادث؟ وإن كانت كذلك فلماذا لم تخبر بها مصر؟ وإن كانت بعد الحادثة لماذا لم تؤجل ساعات حتى ينهي الرئيس المصري زيارته لبريطانيا؟ قد يكون لهذا الحادث تأثير على الاقتصاد المصري، ولكن بجانبه السياسي سيكون من صالح مصر خاصة على مستوى الرأي العام المصري الذي رأى استهداف بلاده من الجماعات الإرهابية والاستخبارات الأجنبية، فإن عرف الإعلام المصري استثمار الرأي العام المصري جيداً سوف يجعل خسارة بلاده الاقتصادية ثمناً لا بد من دفعه بسبب الحملة الظالمة على مصر. لمراسلة الكاتب: malmutairi@alriyadh.net