في بدايات تعامل السعوديين مع رسائل الهاتف الجوال، كانت كمية النكت تصل لمئات الآلاف من الرسائل، ووصل الأمر للبعض أنه اتهم شركات الاتصالات بتوظيفهم أشخاصاً من المشهورين بعمل النكت لترويجها للناس، ومن ثم ستكون قيمة الرسائل المتداولة في خزينة هذه الشركات، والتي كانت تصل لمئات الملايين!. البحث عن فلسفة الضحك والتعليقات المضحكة لها رواج وقبول غير طبيعي في مجتمع ظاهره لا يبدو عليه حُب "خفة الدم"، ولكن الظاهر عكس الداخل، لأن الشواهد العديدة على ذلك تثبت أن السعوديين باحثون عن خفة الدم رغم تبرئهم منها. الممثل طارق العلي تصل قيمة تذاكر مسرحياته التي يجول بها منفرداً مدن المملكة إلى 700 ريال، بينما لا تتجاوز قيمة أعلى تذكرة للمسرح ببلدة الكويت مبلغ 300 ريال ولا يوجد عليها إقبال إلا من السعوديين بالكويت!. في الأسواق الكبرى بالرياض مراكز بديكورات فخمة تروج لمسرحية للعلي بالرياض، تجد تناقضاً كبيراً، صورة كبيرة للممثل وطاقم مسرحيته ووسائل حديثة لبيع التذاكر وتهافت الكثيرين على الشراء وبمبالغ كبيرة، سألت البائع عن مستوى الإقبال، فقال إنه جيد ولكن بانتظار نزول الرواتب حيث من المتوقع أن يكون أكبر. الكل يربح في المملكة، الذكاء كيف تستطيع أن تحقق الربح، المسرحيات ليست لنجوم سعوديين، حتى أن لدينا حالة فريدة بما يسمى بالمسرح النسائي-النسائي، ممثلات خليجيات أدوارهن مشابهة لأدوار الكومبارس تجدهن نجمات لدينا، ويقدمن مسرحيات نسائية سخيفة بالمضمون والفكرة ولكن غنية بالمكاسب المادية التي يحصلن عليها مع منتج استطاع أن يأتي بالتصريح والفوز بعرض المسرحية بالرياض. في وسائل التواصل الاجتماعي الكل يجرب خفة الدم، التعليقات على المسؤولين عنوانها التنكيت والبحث عن الفوز بقدر أكبر من الإضحاك، وهذا الأمر خطير جداً وسبق أن جربته شعوب أخرى غلب عليها هذا الطابع بمناقشتها لقضايا هامة وحساسة، والنتيجة انشغل الناس بمحاولة عمل أحلى واجمل نكتة، وتوقف النقاش والتحاور الجاد، والأمثلة لا تخفى على الكثيرين ممن يتابع المجتمعات حولنا!. عدم وجود وسائل ترفيه انعكس على ثقافة المجتمع، تذهب للترفيه الوحيد وهو الأستاد الرياضي، وتتفاجأ بتناقضات اجتماعية مرعبة، العدوانية والقذف أحياناً وترديد الشتائم هي الصفة السائدة، وهذا انعكاس طبيعي لمجتمع لا يوجد فيه وسائل ترفيه تثقفه وتطور تفكيره، وتجعله يتواصل مع العالم الخارجي برأي جماعي وثقافة موحدة، والدليل على ذلك يمكن ملاحظته وبسهولة في التزام الكثيرين عند أماكن السينما أو الحفلات والمهرجانات الفنية خارج المملكة. أنا لا أنتقد وصول رسوم مسرحية طارق العلي لمبالغ كبيرة، أنا أنتقد استمرار عدم الوضوح في تقديم ترفيه يرقى لمطالب الكثيرين دون منغصات وشروط تجعل العمل الفني الإبداعي ميتاً محلياً.