لا شك في أن هناك أشكالاً كثيرة للمقاومة يبتكرها الفلسطينيون، منذ احتلال أراضيهم عام 1948، وما قبل ذلك، ومن بينها الأغنية الوطنية التي لطالما اضطلعت بدور كبير في إثارة الحماسة في نفوس المقاومين، والتحريض بمفهومه الإيجابي ضد الاحتلال الإسرائيلي. ورسمت أغنيات كثيرة مشاهد من الميدان، فكانت لوحات رسمت وحكايات نسجت بحناجر أصحابها. ويحرص الفنانون على نقل هذه الأغنيات إلى الأجيال الجديدة، لتبقى حاضرة في الأذهان وفي الوجدان، خصوصاً تلك الأغنيات التي ارتبطت بانطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965، وأغنيات الانتفاضة الأولى، أو انتفاضة الحجر عام 1987، وغيرها. وهذا ما قام به أخيراً الفنان الفلسطيني باسل زايد من خلال مشروع «أصداء الانتفاضة» الذي قدمه في أكثر من عرض في مدن فلسطينية عدة، أبرزها في قصر رام الله الثقافي، وفي مهرجان صفّا. «أصداء الانتفاضة»، مشروع يقوم على إدارته والإشراف عليه باسل زايد بالتعاون مع مركز الفن الشعبي، وإدارة مركز فلسطين الدولي للموسيقى والرقص، ومع مجموعة كبيرة من الموسيقيين والمطربين الذين قدموا هذه الأغنيات قبل قرابة 30 سنة بأصواتهم التي لم تشِخ، ومن بينهم الفنانون وليد عبدالسلام، وريم تلحمي، وجميل السايح. ويرى زايد، أن فكرة «أصداء الانتفاضة» أتت كمحاولة لإعادة الاعتبار وإعادة بناء ثقافة الأغنية التي «تعبر عن الشارع»، خصوصاً تلك الأغنيات التي ارتبطت بانتفاضة عام 1987، حين كان الغناء الوطني تهمة يعاقب عليها المطربون الفلسطينيون بالاعتقال في زنزانات الاحتلال، وكان يتم التسجيل في ظروف صعبة، والأصعب تهريب «الكاسيتات»، ولم تكن الاستوديوات الحديثة، ولا وسائط التسجيل والمونتاج والميكساج المتطورة قائمة في حينه، ولذلك فغالبية التسجيلات ليست ذات جودة عالية، وبعضها دون المتوسط، على رغم رواجها وشعبيتها الفائقة، «ومن هنا بدأت فكرة إعادة تسجيل هذه الأغنيات». ولم يكتف زايد، الذي سبق أن صادر الجنود الإسرائيليون عند حاجز عطارة العسكري قرب رام الله، مجموعة كبيرة من اسطوانات ألبومه «آدم»، بإعادة تسجيل الأغنيات، بل طرح أيضاً إعادة توزيعها موسيقياً، ولكن شرط ألا تفقد روحها الأصلية والأصيلة التي اعتاد الناس عليها، وأحبوها في شكلها الأول. وقال زايد: «هذا من أهم المشاريع، لأنني أؤمن بأهمية الكلمة والنص في الأغنية، خصوصاً أننا بتنا نفتقد عمق الكلمة في «أغنيات الانتفاضة»، وصارت التعابير سطحية ومباشرة للأسف». ودلل على العمق في الأغاني السابقة بأغنية «أعزب الجمّال» التي تتناول بطريقة مذهلة قضية الرحيل، ولم تعد تتعلق بفلسطين وحدها، بل هي أغنية تعالج موضوع الحنين، وبالتالي أغنية إنسانية بامتياز، و «هذا ما بتنا نفتقده، وأعني الجمالية الموسيقية والجمالية التعبيرية». وطالب القائمين على الفضائيات الفلسطينية والعربية بالموازنة ما بين الأغنية الخفيفة، وكثير منها جميل، والأغنية الجادة، والأغنية الإنسانية، وتلك الوطنية، بحيث لا يلهثون وراء الأغنيات التي تحقق رواجاً عبر «يوتيوب» ووسائل التواصل الاجتماعي فحسب، وألا تكون ذائقتهم الخاصة جزءاً من معايير تقويم البث عبر هذه الفضائيات، علاوة على ما تعانيه الأغنية الوطنية من شح الدعم، وعدم وجود شركات إنتاج تدعمها.