×
محافظة المنطقة الشرقية

المشي السريع أكثر فعالية في إنقاص الوزن

صورة الخبر

يأتي الخبر مفاجئًا؛ لقد رحل عبدالله حبابي، بعيدًا عن أرض الوطن. ولعلّه من واجب الأخوّة والمودّة أن أذكر شيئًا عن هذه الشّخصية، التي اجتمع، أو امتزج فيها السّياسي بالأدبيّ والفنّي. ولقد رأيته للمرّة الأولى في وزارة الحجّ، وذلك بعد تقلّد معالي الصّديق الدكتور محمود سفر مهامها، خلفًا لمعالي المرحوم الأستاذ عبدالوهّاب عبدالواسع، وكان ذلك في عام 1414هـ. ومع أنّه عيّن مستشارًا في حقبة الأستاذ عبدالواسع؛ إلا إنّه ظلّ يعمل معنا مستشارًا، وذلك بعد تركه للعمل الدّيبلوماسي. وكانت آخر سفارة تولاها -كما عرفت منه لاحقًا- في البرازيل بأمريكا الجنوبية. وكان أوّل ما استرعى انتباهي في شخصيته هو قربه من الآخرين، فلم تكن لتشعر بأنّ هناك حاجزًا يقف دون مداخلته أو اتّخاذه صديقًا. وكانت الابتسامة الصّادقة هي السّفارة الحقيقية بينه وبين الآخرين. ثمّ تعمّقت معرفتي به عن طريق مجلس معالي الوالد أحمد زكي يماني، والذي كان يعتزّ بأخوّة الحبابي له، فلقد تزاملا -كما أتذكّر- في مدرسة تحضير البعثات بمكّة المكرمة. وأزعم أنّه وشخصيّة أخرى وهي معالي المرحوم الأستاذ عبدالرحمن منصوري، مساعد وزير الخارجيّة الأسبق، وكان الاثنان لا ينقطعان عن مجلس الشّيخ زكي، حتّى وهما في ذروة انشغالهما بالمهنة الأصعب، والتي يصفها المفكّر السّياسي الإنجليزي «دينيس هييلي Denis Healey»، والذي رحل أخيرًا عن عمرٍ يناهز المائة عام، حيث يشير في مذكّراته، والمدوّنة بأسلوب أدبي رفيع، يقول هييلي: «إنّ السّياسة من أكثر المهن التي تستغرقُ جُلّ حياة صاحبها، وذلك لتطلّبها حضورًا لافتًا، وقد تتسبّب أحيانًا في انطفاء جذوة الحياة في رموزها الأكثر نشاطًا فجأة. ومثل السّياسة -من رؤية خاصّة- تبقى الكتابة بمختلف فنونها وأشكالها من تلك المهن التي ترهق حياة من يشتغلون بها، أو من تدفع الأقدار بهم إلى ممارستها عن صدق وحميميّة. ولا ينفكّ قلقها يستولي على عقولهم وقلوبهم متبديًا في أشكال مختلفة. ويمكن القول إنّ الفقيد الحبابي -رحمه الله- يذكّرك ببعض الرّموز المضيئة، والتي جمعت في تآلف وثيق بين العمل السّياسي والإبداع الأدبي المتميّز، والتي رحل معظمها عن دنيانا الفنانية، من أمثال: حسن القرشي، وفائق عبّاس غزّاوي، وأحمد عبدالجبّار، ومحمّد الفهد العيسى، وغازي القصيبي، ومحمّد العامر الرّميح، ومحمّد عالم أفغاني، وعبدالعزيز خوجة، أدام الله بقاءه. وكانت مقالات المرحوم الحبابي في صحيفة عكاظ شاهدًا حيًّا على الأسلوب الأدبي السّلس الذي كان يكتب به مقالاته، كما كان المرحوم على دراية بما يُعرف بفنّ المقامات، أو ما يُعرف في الحقبة السّابقة بالسُلّم الموسيقي، وهو فنٌّ قائم بذاته، ولا ينفصل بحالٍ عن فنّ الشِّعر، الذي سعى الأديب أبوالفرج الأصفهاني للكشف عن الصّلة الوثيقة بينهما في كتابه «الأغاني»، والذي يُعدُّ أكثر كتب التّراث العربي إبداعًا ومتعة، ودليلاً على امتزاج الحضارة العربية والإسلامية بالحضارات الأخرى، وتأثيرها الإيجابي فيها. وقد أفاد من «الأغاني» المستشرق الإنجليزي «فارمر Farmer H. G.» فائدة كبيرة في كتابه «تاريخ الموسيقى العربية»، ودوّن شهادته عنه بقوله: «إنّه كتاب من الطّراز الأوّل في الإنتاج الأدبيِّ للعرب، وإنّه ليترك المرء خجلاً ممّا يُسمّى في أيّامنا أدبًا موسيقيًّا». رحم الله الفقيد «الحبابي»، والعزاء لأسرته وأهله وأبنائه وأحبابه، وفي مقدّمتهم صديقه ورفيق دربه الأستاذ أحمد زكي يماني -متّعه الله بحياته وبارك في عمره وأيّامه-. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.