في هذه الحقبة من اتساع نطاق التداخلات السياسية والاقتصادية بين الدول إلى ساحة شاسعة، تمتد عالمياً عبر القارات والمحيطات، قد يكون اختيار توجُّه العلاقات والسياسات الخارجية أهم ما يشغل بال الحكومات التي يهمها أن تكون اتجاهاتها مستقبلية بحيث تكون قراراتها وقائية، تحميها مستقبلاً، بقدر ما هي علاجية لأخطاء ماضية، وبانية في الحاضر المعقد المستجدات. وفي هذا التوجه نجد مؤتمرات عالمية متخصصة، مثل دافوس وحوار المنامة، نجحت نجاحاً ملحوظاً في تقديم عرض شمولي لكل الرؤى الرسمية بمشاركة من ذوي الخبرة المهنية، يوضح التوجهات، ويضعها في خدمة مصالح كل الجهات المعنية. المفترض أن أكون اليوم في طريقي إلى ألمانيا لحضور مؤتمر كروبر برلين الخامس للسياسات الخارجية، الذي تنظمه مؤسسة كروبر بالتعاون مع وزارة الخارجية الألمانية الاتحادية. وهو مؤتمر يعقد سنوياً منذ 2011، ويجتمع فيه بدعوة رسمية قرابة 250 من القياديين عالمياً، من كبار المسؤولين والسياسيين والخبراء والإعلاميين. ابتدأ كملتقى مهم للقيادات المعنية بحوار دولي، يركز على الشؤون والمستجدات في السياسة الخارجية الألمانية وعلاقاتها الخارجية ضمن الاتحاد الأوروبي والعالم. وهذا العام سيكون التركيز على ألمانيا، أوروبا، والشرق الأوسط وآسيا، في أسئلة مثل: كيف تتوصل أوروبا إلى حل مشترك للاجئين؟ كيف يعاد التوازن إلى العلاقات بين روسيا وأوروبا ويمنع الانزلاق إلى مزيد من التدهور؟ ما هي احتمالات قيام نظام إقليمي جديد في منطقة الشرق الأوسط؟ وما هي فرص إطفاء توتر الأوضاع الأمنية في آسيا. يتناول المؤتمر هذه القضايا لتفحصها، وتحليل مدخلاتها، بهدف التوصل إلى خيارات مستقبلية للسياسات الخارجية. ومن ضمن القضايا سيكون على بساط البحث «مستقبل الشرق الأوسط.. اتجاهات في السياسات الأمنية»، الذي دُعيت للمشاركة فيه. يتيح مثل هذا المؤتمر الاطلاع على وجهات النظر الأخرى حول قضايا مشتركة. ولا شك أن بعض تفاصيل المنطلقات والأهداف تظل مستترة، وليست للتناول العام، ولكن ما يطرح للعرض يظل فرصة إضافة لمعلومات الجهات المشاركة؛ إذ يطلعهم على ما يعتبره الآخر نقاط قوة أو نقاط ضعف في التناول الإعلامي والتفاوضات عالمياً، ويؤكد الثوابت التي ليست قابلة للتغيير. وككل الملتقيات الأخرى، تضيف الحوارات الجانبية التي تدور في صالات وأروقة المؤتمر بين المشاركين فرصة لتجريب ما قد يأتي لاحقاً من المداولات والمفاوضات حول القضايا المعلقة الشائكة. في هذه الحقبة من التداخلات المعقدة في المسؤوليات والمصالح الدولية والإقليمية والعالمية أرى المشاركة الفاعلة في مثل هذه المؤتمرات مسؤولية وطنية، مع مراعاة ألا يتعارض ما يطرح مع المصلحة الوطنية العليا. وفي عصر التقنيات الإعلامية التي تنشر المستجدات حالاً في مشارق الأرض ومغاربها، شمالها وجنوبها، مهم أن يكون مع المتحدثين مترجمون ماهرون، لتجنب أي تشويه قد يحدث بسبب الترجمة الضعيفة. ومن خبرتي شخصياً في المشاركة بهذه المؤتمرات، مهم تخير المشاركين من العارفين المقنعين المتعمقين بشمولية، أي ذوي المصداقية المهنية والوعي بالحوار الدولي. حين تأتي الأسئلة بصيغة اتهامات جارحة بليغة، وتأتي التعليقات والمداخلات بصورة تحميل للمسؤولية في ما يتعلق بـ»أبوتنا» للإرهاب، وتقصيرنا في احتواء اللاجئين من الحروب الدموية وداعش في الجوار، أو الجدب الاقتصادي في ديارهم، يجب أن تكون إجاباتنا قوية وواضحة ومقنعة. وأنصح بتجاوز الاكتفاء باجترار الإجابات المعتادة: «خصوصيتنا تملي...». هذه غالباً لا تقنع إلا بعضنا، فكيف بغيرنا؟ العي لا يخدمنا. فلنعلن بوضوح أن مواقفنا اليوم من القضايا المحلية والإقليمية تحددها مصالحنا الذاتية، وعلاقاتنا الثنائية، وتحالفاتنا. ولم نتخل عن مسؤولياتنا في أي وقت. وباختصار بليغ: تكون طروحاتنا مدعمة بالوثائق والوضوح والثقة، دون أن تفتقد المصداقية. مقالات أخرى للكاتب ماذا نتوقع لمنطقتنا في عالم جديد؟ لقاء الشفافية والعشم المتبادل ما الهدف من إطلاعنا؟؟ حدود الإنسانية وردود الكراهية شبهات حقوقية ؟؟