ما إن ترد عبارة حق الاختلاف حتى ينصرف الذهن إلى السياسة، لأنها تبتلع كأفعى البوا ثلاثة أرباع حياتنا، لكن حق الاختلاف أشمل منها وأقرب إلى ما هو اجتماعي وثقافي في حياتنا اليومية، لهذا نتذكر عبارة شهيرة للجنرال ديغول عن صعوبة حكم الفرنسيين لأنهم كما قال لديهم مئات الأصناف من الجبنة، وهذا يدل على تعدد الأمزجة والأذواق. إن حق الاختلاف خارج السياسة هو ما دفع الروائي الراحل نجيب محفوظ إلى الاعتراف بكراهيته لفصل الربيع، لأنه يصيبه بحساسية تفقده القدرة على الكتابة وهذا ما حدث بالفعل، فالرجل كان يصمت رغماً عنه طيلة فصل الربيع بانتظار الخريف الذي كان يعشقه. إن حق الاختلاف خارج السياسة هو ما يجبر بعضنا على عدم البوح بما يحب ويكره، خشية من الصدمة التي يصاب بها الآخرون الذين اتفقوا بل تواطأوا على ما هو جميل للجميع وقبيح بالنسبة للجميع أيضاً. ولو لم يكن نجيب محفوظ مشهوراً وحائزاً جائزة نوبل لربما تردد في إعلان كراهيته لفصل يحبه الجميع. ويشمل حق الاختلاف أيضاً هؤلاء الذين استبدلوا النهار بالليل بحيث يسهرون حتى الفجر وينجزون أعمالهم ليلاً مقابل الأكثرية التي تنام ليلاً وتصحو نهاراً. وكلما تقدم المجتمع في تمدنه واعترافه بحقوق أفراده في اختيار نمط حياتهم يكون التسامح أكبر حول حق الاختلاف، بعكس الحالات التي تجعل من ثقافة القطعنة والتماثل عُرفاً غير مسموح بالخروج عنه. وما قاله محفوظ قاله أيضاً كتاب آخرون من المشاهير كاعتراف أحدهم بأنه لا يستطيع الكتابة إلا إذا وضع تفاحة تحت وسادته لبضعة أيام، كي ترشح منها رائحة النضج الأقرب إلى العَطَن!. وهناك ممثلة مسرحية شهيرة حملت في ذاكرتها رائحة روث الخيول في إسطبل كانت تفضل قضاء الوقت فيه، وعندما اشتهرت أوصت واحدة من أكبر الشركات المصنعة لمساحيق التجميل أن تضيف رائحة روث الخيول إلى مساحيقها، وقد يرى البعض أن مثل هذا الاقتران بين أطعمة وأشربة وروائح، و الإبداع مجرد اقتران بافلوفي، لكن المسألة أبعد من ذلك.. ولن يتسامح الناس في حق الاختلاف السياسي إلا إذا مهدوا له اجتماعياً وإنسانياً!!