الكثير منا (رجال أعمال وكتاب وشعراء وأدباء) يتغنى بـ «هذا البلد المعطاء». وأيضا الشركات الكبرى والصغرى يلهج لسانها بسخاء «هذا البلد المعطاء». البنوك ومؤسسات المال تبدأ تقاريرها (بعد البسملة) وتنهيها أيضا (قبل الحمد له) بالثناء والشكر لـ «هذا البلد المعطاء». مسكين هذا البلد المعطاء، فهو يعطي ويعطي، ويستمر في العطاء، وهؤلاء يأخذون ويأخذون، ويستمرون في الأخذ منه، ولا يعطونه، وإن أعطوا فهو أقل القليل. آخر خبر مضحك ومؤلم في نفس الوقت (نعم فهناك أخبار تضحك وتبكي في آن واحد) سمعته حديثا، هو أن (شركة سعودية يختلط فيها المال العام بالمال الخاص) تدعم بكل كرم وسخاء وشهامة عربية شامخة نوادي رياضية وفرق كرة قدم في دول أوروبية بعشرات الملايين من الريالات!! هناك أيضا جهات تجارية ومالية سعودية أخرى، تتغنى بالوطن المعطاء هي أيضا، ولكنها تدعم نوادي رياضية أجنبية في بعض دول أوروبا. وإلا كيف نثبت للعالم أننا من سلالة «حاتم الطائي»؟ جميع هؤلاء يجنون أرباحا مالية طائلة في هذا «البلد المعطاء» الذي يتغنون به، تصل آلاف الملايين من الريالات في كل عام، ولكنهم يهرولون إلى دول أجنبية ومجتمعات أخرى ليدعموا مؤسساتها الرياضية والعلمية بل وحتى الغناء والتمثيل. وإذا سألتهم لماذا لا يتبرعون أو يدعمون بتبرعاتهم أنديتنا ومؤسساتنا الرياضية والعلمية الشبابية التي لا تتوخى الربح، أجابوا بأنهم ليسوا جمعيات خيرية، وأن هذه أموال مستثمرين!! عجبا، لماذا تنساوا ذلك عندما تعلق الأمر بأندية وفرق أجنبية من خارج هذا «الوطن المعطاء»؟ وقد يجيبونك بأن الأموال التي يصرفونها في الخارج ما هي إلا جزء من ميزانياتهم للدعاية والإعلان، سترفع من أرباحهم وعائداتهم. هكذا!! بالله عليك، من يعرف هذه الشركات في إسبانيا أو بريطانيا، وكيف يحتاج إلى خدماتها في ذلك البلد؟ ولماذا تصرف مبالغ كبيرة للدعاية لشركة خدمات أو اتصالات أو لبنك سعودي في أكسفورد أو برشلونة مثلا؟ هذه الشركات والبنوك والمؤسسات تجني أرباحاً طائلة في هذا «الوطن المعطاء»، ومن أبنائه ومواطنيه وسكانه، أفلا يستحق إذن أبناء هذا الوطن المعطاء الحصول على جزء يسير من أموال الدعم تلك التي تصب في الخارج لدعم الفرق والنوادي الرياضية في أوروبا وغيرها؟ ألا يستحق شباب هذا الوطن ونواديه واتحاداته الرياضية بمختلف أنشطتها شيئا من التبرعات وهذا الدعم الذي يذهب إلى شباب الدول الأوروبية؟ أليست الدعاية والإعلان في السوق المحلي، الذي هو أساسا المستهلك الأول والداعم الرئيسي لهذه الشركات، ومصدر أرباحها وسبب وجودها، أجدى وأفضل من الدعاية والإعلان في سوق لم يسمع ولا يعرف عنها شيئاً ولا يحتاج إلى خدماتها؟ هل سمعنا من قبل أن شركة (تليفونيكا) الإسبانية أو بنك باكليز مثلا قدما أي دعم لنادي الاتحاد أو الأهلي أو الهلال؟ يصعب إقناع المسؤولين في هذه الشركات والمؤسسات التجارية والمالية بعدم جدوى هذا البذخ والدعم المالي لنوادٍ رياضية أجنبية، وأكثر ما نخاف هو أن تنتشر هذه «الموضة» المجحفة لشبابنا وأنديتنا، إلى مؤسسات مالية وشركات تجارية سعودية أخرى، فتتحول بذلك إلى ظاهرة تدل على استخفاف بعقولنا وتبذير لأموالنا ومدعاة للتندر علينا. إذا كنا نتغنى بهذا «الوطن المعطاء»، وهو معطاء بالفعل، فلماذا لا نقابل إحسانه بإحسان، وكرمه بكرم، وعطاءه بعطاء؟ أم أنها أصبحت مجرد إكليشية مبتذلة؟.