قد يتذكر البعض منكم «فوزية» التي كتبت عن قضيتها قبل شهرين تقريباً، تلك الفتاة المغربية من ذوات الاعاقة التي كشفت والدتها حملها بالصدفة نتيجة تعرضها لإعتداءات متكررة، وقد أثارت قضيتها ردود فعل كبيرة وتعاطفًا أكبر بعد وضعها لطفلها. حيث باشرت السلطات بالتحقيقات من أجل الكشف عن اللغز الذي حيّر الجميع، وخاصة عائلة الفتاة، التي لم تكن تتوقع أن يكون المعتدي هو ابن أخي «فوزية» الذي استغل براءة عمّته وضعفها وإعاقتها. بعد حادثة «فوزية» بأيام، جاءت قضية «إيمان» المصابة بالإعاقة الذهنية، إذ تم الاعتداء عليها من طرف أحد القاطنين بنفس القرية المغربية وذلك تحت التهديد بالسلاح، ممّا أدى إلى حملها أيضاً. في كلا الجريمتين كان المعتدى عليهما فتاتين في عمر الزهور من ذوات الاعاقة الذهنية، تلك الفئة التي لا تجرؤ كثيراً على حكاية ما أصابها أو حتى الشكوى خاصة في ظل التخويف والتهديد. وفي كلتا الجريمتين أيضاً لم يقدم الجُناة على فعلتهما الشنيعة إلا لمعرفتهما بهذه الخاصية جيداً، ولكنهما بالطبع لم يفطنا بأن عينة دم صغيرة، أو لعاب أو سيجارة، أو شعرة واحدة يمكنها أن تقود إلى تحديد هوية الجاني، وذلك من خلال عزل الحامض النووي بتلك العينة ومقارنة البصمات الوراثية للأحماض النووية المعزولة من المتهمين ليتم تحديد هوية الموجودين في مسرح الجريمة. وهكذا يصبح من المحال على الجاني أن يدفن الدليل الذي يؤدي للتعرف عليه.. لأنه لابدّ أن تسقط عينة بيولوجية تدل عليه في مكان الجريمة. إن إقامة الدليل على ارتكاب شخص معين لجريمة تستوجب القصاص يمثل عبئاً جسيماً على عاتق سلطات التحرّي والاتهام، ومن ثم يصبح عدم توافر الدليل مبرراً كافياً لصدور الأمر بحفظ الدعوى أو تقييدها ضدّ مجهول لعدم توافر الأدلة الكافية، إذ إنه لا دعوى بغير متهم، ولا حكم بإدانة دون دليل قاطع. ولهذا تعتبر (البصمة الوراثية) أدق وسيلة عرفت حتى الآن في تحديد هوية الإنسان، وذلك لأن نتائجها قطعية لا تقبل الشك والظن، ولذلك تبرز أهميتها في قضايا القتل الجنسي بصفة خاصة، وفي قضايا يكون فيها المعتدى عليه لاحول ولا قوة له على الكلام أو الشكوى كحالة (إيمان، وفوزية). ببساطة إذا كان الاعتراف هو سيّد الأدلة كما يقول القانون، فإن البصمة الوراثية الآن يمكن أن تكون السيّد الجديد الذي يخضع له القانون. فشكراً للعلم، و للعلماء الذين أخذوا حق هؤلاء الفتيات، وساعدوا على جعل المعتدين عبرة لكل جاهل، وآثم، وحقير.