الشفافيَّة في تصريحات الناطق باسم وزارة الداخليَّة عن المستجّدات في مكافحة الإرهاب، وعدد الذين اعتقلوا من المشتبه بقيامهم بأعمال تخلُّ بأمن البلاد واستقرارها، وغالبيَّهم من مواطني المملكة، تضعها موضع تقدير المتابعين لسياسة المملكة الداخليَّة، في وقت تتعرَّض فيه البلاد لهجماتٍ إرهابيَّة يُخطِّط لها الذين لا يُريدون أن تنعم بالأمن والاستقرار منذ قيامها على يد المؤسِّس الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه-. الاعتراف بهذا الكم من المعتقلين السعوديِّين، وغالبيَّتهم من الشباب، دليل وجود شباب تأثَّروا بتحريضٍ الذين يُتاجرون باسم الدّين، لتحقيق مصالح جهات تعمل على زعزعة الأوضاع في البلاد. ولنتذكَّر حادثة جهيمان وزمرته في بيت الله الحرام، وقد خيَّب الله ظنَّهم، وحفظ للبلاد مليكها خالد بن عبدالعزيز -يرحمه الله- ولشعب المملكة أمنه واستقراره، وتمَّ القضاء على الفتنة ومن أوقد لها. لكن يبدو أنَّ رماد تلك الفتنة مازال ساخنًا عند الجماعات التكفيريَّة، حيث الفتاوى التي يُلقَّونها للشباب، وهم في مُقتبل أعمارهم، بتكفير من لا يقبل الفكر المتطرِّف، وما تزال تلك الفتاوى تسري في الظلام، مُغرية الشباب بحورٍ عين، وشهادة مزعومة تقودهم إلى الجنة. ويتساءل المراقب عمَّا إذا كانت كفاءة المعلم وثقافته قد فشلت في تثقيف الأجيال التي رأت النور مع مطلع هذا القرن الهجري، فلم يتمكن من غرس وسطيَّة الإسلام وسماحته، وكذلك مكارم الأخلاق التي بعث الله من أجلها نبيَّنا الكريم، لتكون نبراسًا في العلاقات بين أفراد المجتمع كافَّةً، في صدور أولئك الناشئة على مدى خمسة وثلاثين عامًا! وإذا كان الواقع كذلك، فالحاجة ماسَّة إلى إعادة النظر في تأهيل المعلم والاستفادة من خطط مَن سبقنا في مجالات إعادة تأهيل المجتمع.. فعلى سبيل المثال يمكن دراسة خطَّة الرئيس الماليزي مهاتير محمَّد في بناء الدولة العصريَّة التي حوَّلت ماليزيا في سنوات قليلة من بلدٍ مُتخلِّف إلى نمرٍ من نمور شرق آسيا، متفوِّقة علميًّا واقتصاديَّا. حيث كان الاهتمام بالتعليم من أولويَّات خطَّة الرئيس مهاتير. فشهدت مناهج التعليم مواد تُنمِّي الروح الوطنيَّة والانتماء، وتُعزَّزها في صدور الطلبة وهم في سنوات دراستهم الابتدائية. أمَّا في مراحل الدراسة التاليَّة فيكون التركيز على تدريس موادِّ خاصَّة بالمجالات المهنيَّة والفنيَّة إلى جانب المواد العلميَّة والأدبيَّة لإتاحة الفرص لتنمية مواهبهم وصقل مهاراتهم، إضافة إلى إنشاء معاهد التدريب المهني التي تستوعب طلاَّبَ المدارس الثانويَّة وتؤهِّلهم لدخول سوق العمل في مجالات الهندسة المتعدِّدة، بحيث لا يُترك وقتُ فراغ للناشئة يجعلهم ينحرفون لسلوك لا تُحمد عقباه، حيث إنهم يُشكِّلون الشريحة الكبرى في مجتمعنا. إغراءات الفكر المتطرف بوعد هؤلاء الشباب -المُغرَّر بهم- بالحور العين، مصيدة لجذبهم إلى حلم الشهادة المزعوم، وما ينتظرهم في الحياة الآخرة من نعيم؛ لم يذوقوا طعمه في حياتهم الدنيا. حفظ الله بلادنا وشبابنا من كل مكروه.