باغرام (أفغانستان) - قال مسؤولون حكوميون وأمنيون إن المخابرات الأفغانية حذرت الجيش الأميركي مرتين على الأقل أن أحد العمال ربما كان يخطط لهجوم في السنة التي سبقت تفجير قاري نايب نفسه في 12 نوفمبر تشرين الثاني الجاري داخل قاعدة لحلف شمال الأطلسي قرب كابول ومقتل أربعة أميركيين. وقال المسؤولون الأفغان إنهم طلبوا مرارا من القوات الغربية تبادل المعلومات عن العاملين المحليين في قاعدة باغرام الجوية الشاسعة وذلك لفحص حالات من تحوم حولهم الشبهات لكن طلبهم قوبل بالرفض. وعندما سئل الكابتن وليام سالفين المتحدث باسم حلف الأطلسي عن تبادل المعلومات قال إن قوات الحلف "تتشارك بصفة روتينية مع قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية في كل عناصر الأمن بما في ذلك تبادل المعلومات". وأضاف "لنا علاقة عمل قوية يوما بيوم مع نظرائنا الأفغان لكن بسبب أمن العمليات لا ندخل في تفاصيل ما نتبادله". وتقول السلطات الأفغانية إن الجيش الأميركي يتعاون تعاونا وثيقا معها الآن. وقال وحيد صديقي المتحدث باسم حاكم إقليم باروان الذي تقع فيه القاعدة الحصينة "بعد هذا الهجوم وافقت القوات الأميركية على تبادل المعلومات عن العاملين الأفغان لدينا". واكتشفت السلطات فيما بعد أن نايب كان من متشددي طالبان المعروفين قبل أن يشارك في برنامج حكومي لتغيير الأفكار المتطرفة وكان يستخدم اسما مستعارا في العمل هو قاري عنايت. وكثيرا ما يتضح خطأ معلومات المخابرات وليس من الواضح ما إذا كان التنسيق بشكل أفضل سيسفر عن الكشف عن النوايا الحقيقية لنايب في الوقت المناسب لمنعه من قتل جنديين أميركيين ومتعاقدين أميركيين وجرح ما لا يقل عن 15 آخرين في واحد من أسوأ الهجمات على القوات الأميركية منذ سنوات. لكن هذا الهجوم الأول داخل أكثر قواعد حلف الأطلسي تحصينا أثار علامات استفهام حول التدابير التي تتخذها القوات الغربية لفحص العاملين المحليين وعن البرامج التي تهدف لإعادة دمج أصحاب الأفكار المتطرفة في المجتمع. كما أدى هذا الهجوم من الداخل إلى تعقيد العمليات بدرجة أكبر في بلد تتسبب فيه حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة بل وفرع محلي لتنظيم الدولة الإسلامية في الآونة الأخيرة في خسائر بشرية جسيمة وتتزايد فيه المناطق التي يسودها انعدام الأمان. ومنذ هجوم باغرام أصبحت القاعدة شبه مغلقة ولا يسمح بالدخول سوى لعدد قليل من العاملين الأفغان. وقالت الشرطة في باغرام إن من المعتقد أن المسؤولين سمحوا بعودة 200 فرد فقط من بين عدد يقدر بنحو ثلاثة آلاف أفغاني للعمل في القاعدة الآن. قصة نجاح وحتى الـ12 من نوفمبر تشرين الثاني كانت حالة نايب تعد قصة نجاح في أفغانستان التي حاولت تغيير فكر المتشددين المصرين على الإطاحة بالحكومة وتخليص البلاد من القوات الأجنبية. وقال صديقي "هو أحد رجال طالبان السابقين، ويعمل داخل القاعدة منذ فترة طويلة واكتسب ثقتهم وبناء على هذه الثقة ارتكب هذا الهجوم". وفي أوائل عام 2012 وبعد الموافقة على الاشتراك في برنامج إعادة الاندماج في المجتمع التحق نايب بدورة تدريبية لمدة تسعة أشهر في المركز الكوري للتدريب المهني داخل قاعدة باغرام وتعلم اللغة الإنجليزية ومهارات استخدام الكمبيوتر وإصلاح السيارات. ومثل أغلب المتدربين في المركز عرض عليه العمل فور انتهاء التدريب. وقال أفراد من أسرة نايب في زيارة لبيته المتواضع القريب من القاعدة إنه بعد إجراءات الفحص الأمني بما في ذلك بصمات الأصابع وغيرها من فحوص لضمان عدم وجود سجل جنائي قديم له بدأ نايب العمل لحساب شركة فلور كورب التي تتخذ من تكساس مقرا لها كفني إصلاح سيارات بالقاعدة. وقالت فلور كورب إن إحدى الشركات التي تعمل لحسابها من الباطن وظفته لديها وإنها لا توظف الأفغان مباشرة في باغرام. وأضافت "علاوة على أن فحص الموظفين والتحقق منهم يتبع عملية حددتها الحكومة الأميركية. ونحن نلتزم بتلك العملية ونشترط على المقاولين من الباطن أن يفعلوا الشيء نفسه". وقالت جولالاي والدة نايب الذي كان في منتصف العشرينات إنه كان يعمل في الوردية الليلية من الخامسة مساء إلى السادسة صباحا وكان يحصل على حوالي 20 ألف أفغاني (300 دولار) شهريا وحصل في مارس آذار الماضي على زيادة في الأجر ليصل راتبه الشهري إلى 30 ألف أفغاني. وتقول عائلته إن رئيسه في العمل كان "سعيدا جدا" به ويثق به وكان يقدم له الطعام والمشروبات لنقلها إلى أبويه وأشقائه الأربعة الذين كان يعولهم وحده. وروت جولالاي من غرفة ابنها المنتحر إن نايب خرج في 11 نوفمبر تشرين الثاني اليوم السابق على تنفيذ العملية الانتحارية من البيت إلى العمل الساعة الرابعة عصرا كالمعتاد وتردد دوي انفجار شديد في صباح اليوم التالي. وطالبت السلطات بتسليم جثته للأسرة لدفنها. ويتحرى المسؤولون الأميركيون ومسؤولو الحلف كيف استطاع نايب خرق تدابير الأمن بالقاعدة والتي تشمل نقاط تفتيش وأجهزة عديدة. واعتقلت الشرطة الأفغانية والد نايب وابن عمه في إطار التحقيقات. مشبوه سابق أعلنت حركة طالبان الأفغانية مسؤوليتها عقب التفجير وقالت إن منفذ العملية من مقاتليها وإن التخطيط لها استمر أربعة أشهر. وامتنع متحدث باسمها عن مناقشة الأمر. وسبق أن تعرضت قاعدة باغرام للهجوم خاصة بصواريخ يطلقها مسلحون من الخارج لكن لم يحدث فيها أي هجوم من الداخل من قبل. وتحمي القاعدة حواجز خرسانية وأسوار من الأسلاك الشائكة ويعمل فيها حوالي 14 ألفا من الجنود والمتعاقدين. وقال مسؤولون أمنيون أفغان إن الشبهات حامت حول نايب منذ خمسة أعوام في واحد من الهجمات الصاروخية الأمر الذي دفعه للاختباء عدة أيام لتفادي اعتقاله. لكن السلطات لم تجد قط أي دليل يربطه بذلك الهجوم وقالت أمه إنه بريء ورددت "ابني قلبه كان قلب ملاك". ولإبراء اسمه من الشبهات ومنع مضايقات الشرطة مستقبلا أوصى أعيان القرية بالتحاق نايب ببرنامج إعادة الدمج في المجتمع الذي كان يمثل بشارة بالتعليم والتوظيف. وشارك في مثل هذه البرامج نحو 11 ألف متشدد. وقال جهاز رقابي تابع للحكومة الأميركية في الآونة الأخيرة إن هذه البرامج لم تؤد إلى "تقليل كبير في القدرة العسكرية على المعارضة المسلحة". ووثقت الحكومة حالات 154 مشاركا عادوا إلى صفوف المحاربين لكن المسؤولين يقولون إن العدد الحقيقي أكبر كثيرا. ومازال بعض الأفغان يتوجسون من التدخل الأميركي في بلادهم ويرون القوات الأجنبية جزءا من المشكلة لا من الحل رغم أنهم يعارضون عنف المتشددين. وقال أحد أقارب نايب امتنع عن ذكر اسمه لحساسية المسألة "حتى إذا كان قد فجر نفسه فقد قتل وأصاب أميركيين. فهو لم يؤذ أي أفغاني".