×
محافظة المنطقة الشرقية

15 فرقة طوارئ و58 آلية لمواجهة أمطار حفر الباطن

صورة الخبر

اثارت مقالتي السابقة عن المدارس الخاصة الكثير من التعليقات، وموضوعي اليوم يعرض حديثا دار بيني وبين عدد من الأمهات عقبها، فقراءة ممتعة: قالت لي صديقة: حينما قررت تسجيل ابنتي في احدى المدارس الشهيرة، قابلتني المديرة وعرضت علي بفخر شديد كتبا من أكبر دور النشر العالمية التعليمية، تصفحتها فرأيتها جميلة الشكل، مصقولة الورق، ملونة الصور مدروسة المواضيع، تفتح نفس الطلاب والأهل. قالت لي المديرة بأن المدرسة تكلفت الآلاف لتوفير الكتب من دور النشر بالخارج، وحكت لي قصصا عن رحلة الكتب الطويلة وصعوبتها الى ان استقرت في مخازن المدرسة. ثم قالت لي بأن الكتب ستعطى للطلاب مقابل مبلغ زهيد: الفي ريال في العام. جميل، دفع الأهل بطيب خاطر وبدأت السنة الدراسية. فماذا وجد الأهل في حقيبة الأبناء؟ لا لم تحزروا. لم يكن هناك كتاب واحد! بل اوراق مصورة رمادية وسوداء، وهي تصوير رديء غير واضح لصفحات الكتب الأصلية. الكتاب الملون الجميل أصبح مجموعة مصورة من الأوراق المفتتة المكرمشة التي تنحشر في زوايا حقائب التلاميذ وتفقد معالمها بعد فترة. اضطرت الأم لشراء ملف خاص بكل مادة وتثقيب الورق وترتيبه بالملف يوميا، وبذلك أصبحت ابنتها تحمل يوميا ملف العلوم وملف الرياضيات وملف العربي وهكذا. تضخمت حقيبة الطالبة واصبحت ثقيلة كالصخرة، وتفرغت الأم لتثقيب وترتيب الملفات يوميا! ولرداءة التصوير لا توجد ارقام الصفحات غالبا فتضطر الأم للعب حزر فزر لفرز الورق. وفي كل مناسبة يسأل الأهل عن الكتب يكون الرد سريعا بأنها قادمة ولكنها لم تصل بعد. فصبرا جميلا والله المستعان. قالت لي الأم بأنها يوميا تقضي ما بعد الظهر لتصليح آثار الدمار الشامل في حقيبة ابنتها، يعني تعذيبا لا داعي له! بالإضافة لتعذيب التدريس الذي يحول أكثر الأمهات وداعة الى ديناصور مفترس! فالأمهات يجمعن ان الطلاب يعودون للبيت محتاجين شرحا كاملا لكل مادة من مواد المنهج من اول وجديد. فماذا بالله يفعلون الساعات الطويلة بالمدرسة؟ اذا فالهوم سكولنج (تدريس الأطفال منزليا وعمل الامتحان فقط آخر العام بالمدرسة) افضل وأوفر لموارد العائلة من اقساط تعليم وسائقين وغيره. قالت احدى السامعات: «هذا شيء مؤلم بالنسبة لي كتربوية. ولكنه للأسف سيناريو معتاد، خاصة قصة الكتب المفقودة! فقد كنت اعمل بمدرسة خاصة وتركتها لإحساسي بالذنب والاشمئزاز لأنني كنت دوما أضطر أن أكذب على الأهل. لدرجة أن الكذب أصبح جزءا من الجوب ديسكربشن (الوصف الوظيفي) لي. أعرف ان المدرسة تحصل من الأهالي ثمن الكتب واعرف تماما ان الكتب لن تأتي، اعرف ان المدرسة تعد الأهل بمخرجات منهجية مع الأبناء واعرف تماما ان ضغط العمل الشديد على المعلمات بسبب رغبة المدرسة في التوفير وتقنين المعلمات لن يسمح لنا أن نصل لربع ما نعد الأهل به ولا ان نؤدي عملنا بإخلاص. وحينما اشكو للمديرة تقول لي خلف الكواليس اعطيهم أي كلام وركزي على اسئلة الامتحان والكل حيكون مبسوط! كيف يمكنني ان اركز على الطلاب المحتاجين لعناية خاصة وأنا تحولت من تربوية درست في اكبر جامعات بريطانيا، الى مزينة حيطان اسهر وقت حفلات المدرسة لآخر الليول أعلق لوحات ومجسمات؟ كيف احاضر الطالبات عن الأمانة وانا اشارك بعملية احتيال كبيشرة؟ وكيف اطالبهم باحترام الكتاب ونحن نخترق الحقوق الفكرية ونقتل الكتاب. والمصيبة أن غير الألفي الريال التي تدفع للكتب هناك مبالغ أخرى يدفعها الأهل للأدوات المكتبية. ولكن المدرسة (تلهف) هذا المبلغ ولا توفر الأدوات. بل تطالب الأهل بشراء قائمة طويلة من الأدوات المكتبية لأولادهم. يأتي بها الطلاب الصغار بحقائبهم فتصادر لتصبح ملكا عاما للمدرسة. فيعود الطلاب للمنزل ولا يستطيعون عمل واجبات الرسم لأن الألوان وفرشاة الرسم والورق الشفاف بالمدرسة. فيضطر الأهل لتكرار شرائها. واحيانا تأتيني بعض الأمهات معترضات واخجل منهن فماذا اقول؟ ولكن الأغلبية لا تعترض، فمن بالله لديه وقت ليذهب للمدرسة ويستفهم عن اختفاء علبة ألوان؟». اختتمت حديثها بأنها قررت ترك المدرسة رغم أنها يوم تركت حاولت المديرة اغراءها بمضاعفة الراتب واعطائها تايتل (مسمى) رئيسة قسم ولكنها رفضت. كم هو محزن أن نفقد هذه الطاقات الصادقة المؤهلة وكم اتمنى تدارك الأمر بمراقبة التعليم الخاص وإلا سنقول على التعليم السلام.