استمرت حالة عدم الاستقرار في أسواق النفط وتأرجحت الأسعار بين الارتفاع والانخفاض، ومالت إلى الارتفاع بعد أن تغلبت على عدة انخفاضات متتالية سابقة، وتأثرت السوق بشكل أساسي ببيانات تؤكد ارتفاع المخزونات النفطية الأمريكية، فيما زاد القلق في الأسواق من تراجع مستويات الطلب العالمي. وتجددت المخاوف في الأسواق من حالة تخمة المعروض النفطي بعدما واصلت المخزونات النفطية الأمريكية ارتفاعها للأسبوع السادس على التوالي ليتجاوز تأثيرها في السوق تأثير الانخفاض المستمر في إنتاج النفط الصخري الأمريكي واستمرار توقف الحفارات النفطية. وأسهم ارتفاع الدولار الأمريكي مقابل بقية العملات الرئيسية في زيادة الأعباء على أسعار النفط والضغط عليها لتسجل مزيدا من الانخفاضات بعدما تجدد الحديث عن احتمال قيام البنك الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة على الدولار بحلول الشهر المقبل. ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، "إن نجاح الاجتماع الوزاري المقبل لمنظمة أوبك مرتبط بتوافر رغبة جماعية للدول الأعضاء في إعلاء المصالح المشتركة والتخلي عن المصالح الفردية"، مشيرا إلى أن فكرة تخفيض الإنتاج لا يمكن أن ترى النور إلا إذا حدث توافق دولي واسع من كل المنتجين على ضرورة حدوثها دون تحميل طرف دون الآخر المسؤولية عن ذلك حتى لو كان هذا الطرف منظمة كبيرة مثل "أوبك". وأشار ديبيش إلى أهمية التنسيق المتواصل بين "أوبك" والمنتجين من خارجها، مؤكدا أن السوق سجلت بالفعل المستويات القصوى في الانخفاض وهذا الأمر مقتنع به بالفعل أغلب المنتجين في "أوبك"، موضحا أن استعادة سوق النفط حيويتها مرهون بعودة معدلات النمو الاقتصادي المرتفع في أغلب دول الاستهلاك الرئيسية بالتزامن مع تقلص المعروض الذي يعاني التخمة على مدار أكثر من عام، وهو ما بدأت مؤشراته في الاتضاح مع تراجع إنتاج النفط الصخري الأمريكي. وتوقع ديبيش أن يكشف الاجتماع الوزاري المقبل لمنظمة أوبك عن استمرار التوافق والتفاهم الخليجي تجاه الأوضاع في السوق، فيما ستبقى المشكلة في ضغوط فنزويلا لخفض الإنتاج لدعم الأسعار وفي سعى إيران لتجاوز نظام الحصص والقفز بمستويات الصادرات النفطية بحلول آذار (مارس) المقبل في ضوء توقعات برفع العقوبات الاقتصادية. ويرى ديبيش أن هناك حاجة ملحة إلى احتواء هذا التباين في التوجهات بين المنتجين وتغليب المصلحة العامة للمنظمة، مؤكدا أن "أوبك" قادرة على ذلك ولها خبرة طويلة في إدارة الأزمات، لافتاً إلى أن "أوبك" يتنامى بالفعل من جديد تأثيرها ودورها في سوق النفط تدريجيا مع تقلص نمو المنافس الأشرس وهو النفط الصخري الأمريكي، الذي قاد انهيار الأسعار على مدى أكثر من عام ونصف العام. ويقول لـ "الاقتصادية"، فيليب ميزي رئيس شركة "ايترون" الأمريكية للطاقة المتجددة، "إن زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة أصبحت ضرورة حياة لضمان تنمية اقتصادية ومعدلات نمو مرضية لأغلب شعوب العالم سواء المتقدم أوالنامي، وأن مصادر الطاقة التقليدية ما زال لها دور محوري في مزيج الطاقة العالمي لكن يجب أن نسعى إلى زيادة كل موارد الطاقة بشكل متواز خاصة الطاقة المتجددة". وأوضح ميزي أن الطاقة الشمسية تتمتع بفرص نمو عالية وتوجد منها موارد هائلة في الشرق الأوسط والخليج العربي ومن ثم يجب العمل على تطوير سبل الاعتماد عليها، مشيرا إلى الجهود السعودية المتميزة والمتسارعة في هذا المجال. وأضاف ميزي أن "الطاقة الشمسية هي بمثابة موارد هائلة لم تستغل بعد بالشكل الأمثل كما أن أسعار التكنولوجيا والتقنيات الخاصة بها ستتجه إلى الانخفاض الكبير في السنوات المقبلة، وهو ما سيسهل فرص انتشار هذه الطاقة وجهود الاعتماد عليها خاصة في توليد الكهرباء". وأشار ميزي إلى أنه بحسب الدراسات التي أجرتها شركتنا "فإن 64 في المائة من عملائنا الذين شملتهم الدراسة يرغبون في أن تعتمد الصناعة على مصادر الطاقة المتجددة بشكل غالب خلال السنوات المقبلة". وأوضح لـ "الاقتصادية"، وايني بالس مدير برنامج الطاقة الذكية في شركة "سى إل بي" في هونج كونج، أن تغيرات جوهرية تحدث بصفة مستمرة في قطاع الطاقة وهو أمر ربما لم تعتده الشركات الصناعية التقليدية، لكن عليها أن تقر بهذا التغير وتتعامل معه، موضحا أن الاستثمارات الصناعية حول العالم تتسابق نحو الأخذ بمتطلبات الطاقة الذكية والاقتصاد الرقمي وزيادة استغلال موارد الطاقة المتجددة خاصة الرياح والشمس بالتوازي مع تطوير وتحديث نظم الإنتاج وبرامج الكفاءة فيما يخص موارد الطاقة التقليدية سواء النفط أو الغاز الطبيعي. وأضاف بالس أن "موارد الطاقة تعددت وتنوعت والأسواق تتسم بالتنافسية الشديدة، ويجب أن ندرس جيدا احتياجات المستهلكين ونطور الخدمات المقدمة لهم، والتكنولوجيا أصبحت جزءا لا يتجزأ من كل مراحل الاستثمار"، مشيرا إلى أن التحدي الأكبر الذى يواجه الاقتصاد في ظل مرحلة ثورة الطاقة الذكية الحالية هو تخفيض التكاليف الإنتاجية وتحسين مستوى الأداء واستقدام الخبرات الدولية المتميزة في قطاع الطاقة من خارج الشركات. وأشار بالس إلى أن تطوير موارد الطاقة المتجددة يتسم بالآفاق الواسعة "ونأمل أن تصل معظم الدول المتقدمة والنامية إلى مرحلة المدن الذكية التي تعتمد بالكامل على الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح سواء في توليد الكهرباء أو في تشغيل المصانع وغيرها من أوجه الاقتصاد الرقمي الشامل". من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط قليلا في العقود الآجلة خلال التعاملات الآسيوية أمس بعد تكبدها خسائر في الجلسة السابقة بفعل بيانات رسمية تظهر ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية للأسبوع السادس على التوالي. وبحسب "رويترز"، فقد نزلت أسعار الخام نحو 4 في المائة أول أمس بعدما قالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية "إن مخزونات الخام في الولايات المتحدة زادت 2.85 مليون برميل الأسبوع الماضي بما يتماشى مع التوقعات رغم انخفاض الواردات لأدنى مستوياتها منذ عام 1991". وارتفع الخام الأمريكي خمسة سنتات إلى 46.38 دولار للبرميل بعدما نزل في العقود الآجلة 1.58 دولار أو 3.3 في المائة أول أمس مسجلا 46.32 دولار للبرميل. وزاد مزيج برنت 11 سنتا إلى 48.69 دولار للبرميل بعد هبوطه 3.9 في المائة، وتراجع النفط الخام الأمريكي في السوق الأوروبية أمس وتداول خام برنت دون 49 دولارا للبرميل، لتواصل الأسعار خسائرها لليوم الثاني على التوالي بعدما أظهرت بيانات حكومية ارتفاعا فاق التوقعات لمخزونات الخام في الولايات المتحدة الأمريكية. وأعلنت وكالة الطاقة الأمريكية ارتفاع مخزونات الخام بمقدار 2.8 مليون برميل للأسبوع المنتهي 30 تشرين الأول (أكتوبر) إلى إجمالي 483 مليون برميل، وهو أعلى مستوى منذ أيار (مايو) الماضي، وأشارت توقعات إلى ارتفاع بمقدار 2.5 مليون برميل. يأتي ارتفاع المخزون الأمريكي من النفط الخام للأسبوع السادس على التوالي، على الرغم من تباطؤ معدلات إنتاج النفط الصخري في البلاد، الأمر الذي يعكس ضعف الطلب والسحب في أكبر بلد مستهلك للطاقة في العالم. وزادت الضغوط السلبية على أسعار النفط مع ارتفاع واسع النطاق للعملة الأمريكية مقابل سلة من العملات، بدعم من تصريحات جانيت يلين رئيسة البنك الفيدرالي الاتحادي برفع أسعار الفائدة الفيدرالية في حال استمرار التحسن في البيانات الاقتصادية. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" الخميس "إن سعر السلة التي تضم 12 خاما من إنتاج الدول الأعضاء ارتفع على نحو جيد بعد تراجع سابق محدود وإن السلة كسبت نحو دولارين مقارنة بالتعاملات في نفس اليوم في الأسبوع السابق، الذي سجلت فيه السلة 42.40 دولار للبرميل".