×
محافظة المنطقة الشرقية

تخصيص مدرجات للعوائل وأخرى للعزاب

صورة الخبر

نحن -وأقصد العرب والمسلمين- أسرى "نظرية المؤامرة"، بل ومغرمون بها، ومخلصون لتكريسها، وترديدها، وتحليلاتها، وإذا لم نجد لها مؤشرات ودلائل عند من نزعم "تآمرهم" علينا فإننا نستنبتها من العدم، ونسخر لها الخيال الفردي والجمعي لاستنبات مؤشرات ودلائل، ومع التكرار والتكريس تتحول إلى مسلمات وحقائق. ووفق هذه النظرية، فإننا لا نكل ولا نمل من محاربة "طواحين الهواء"، فديننا يتعرض لمؤامرة، وأخلاقنا وقيمنا مهددة من المتآمرين علينا، وثرواتنا معرضة للنهب، وأوطاننا تنتظر التقسيم، وحياتنا في خطر، ووجودنا من أصله وجذوره عرضة للاقتلاع، وأولئك المتآمرون علينا لا هم لهم بالليل والنهار إلا نحن، فهم يخططون ويعملون بكل قواهم لاقتلاعنا من الأرض، ولن يهنأ لهم بال، ولا تطيب لهم حياة، إلا حين يروننا أثرا بعد عين! ثم لا نكتفي بهذا القدر، وإنما نذهب أبعد وأعمق، حين نؤكد، وبعضنا يقسم بأغلظ الأيمان، أنهم نجحوا في مؤامراتهم عبر خلاياهم وعملائهم الذين زرعوهم بيننا منذ زمن بعيد، وما زالوا يتعهدونهم بالعناية والرعاية والدعم ليتولوا تنفيذ تلك الخطط "الخبيثة" الهادفة لتحويلنا إلى كائنات هلامية، أو إلى أرض بور لا تصلح للحياة. حسنا. من هم المتآمرون على العرب والمسلمين؟ الأمر واضح، والإجابة جاهزة ومعروفة: إنها قوى الكفر والإلحاد، وعبدة الدينار والدولار، وشذاذ الآفاق، والذين يرون الدنيا دار خلودهم، من الغرب والشرق! لا بأس. لا بأس. وما نشوف شر! طالما الأمر كذلك، ولا مناص منه، فماذا فعلنا ونفعل وسنفعل نحن -وأقصد العرب والمسلمين- عموما؟ مع استثناءات قليلة جدا من أوطان العرب والمسلمين، وكأنها اكتشفت أين هي المؤامرة ودحرتها بنجاح، أما الغالبية الباقية فما زالت داخل القفص الحديدي تدعو على "طواحين الهواء" المتآمرة عليها. و"طواحين الهواء" المتآمرة هذه، لا تكل ولا تمل من الابتكار، ولا تتوقف عن الإنتاج، وتكاد صناعاتها تتغلب على نفسها يوميا، تطويرا وإبداعا، ونحن عربا ومسلمين، من أعظم مستهلكي منتجاتها غذاء ودواء وملبسا، ومركبا، وتقنية، وتقريبا كل شيء ما عدا الهواء والتلوث البيئي، وحتى ثرواتنا الطبيعية التي نبيعها عليها، هي من ابتكرت وما زال تبتكر أجهزة وآلات استخراجها وتصنيعها ونقلها، بل إن تشغيل تقنياتها في كل شيء، وصيانتها، ما زالت بأيديها وتحت إشرافها! وحتى الأسلحة التي نقتل بعضنا بعضا بها من عندها، ولا تنسى آلات حفر قبورنا وتجهيزات موتانا. بمعنى أن الغالبية العظمى من العرب والمسلمين كما نقول "محفولين مكفولين" بأيدي من نلعنهم صباح مساء، ونفضح مؤامراتهم على حياتنا وقيمنا، منذ أن نولد إلى المقبرة، بل إن ملايين من العرب والمسلمين يعيشون في بلدان "المتآمرين" وبين ظهرانيهم، معززين مكرمين ولا يجدون منَاً ولا أذى! أتدرون ما المؤامرة الحقيقية التي تحيق بالأغلبية العظمى من العرب والمسلمين؟! إنها –في نظري على الأقل– مؤامرة أخطر وأعظم مما قد يحيكه الغرب والشرق مجتمعين، إنها مؤامرة الجهل بكل أنواعه، من أبسطه "الجهل البسيط" إلى أعظمه تعقيدا "الجهل المركب"! لقد وصل من نتهمهم بالمؤامرة علينا إلى أسطح الكواكب الأخرى، وغالبيتنا مشغول بتكذيبهم وتشخيص مؤامراتهم، وإثبات أن الأرض لا تدور! وهي فعلا لا تدور في واقعنا.