×
محافظة المنطقة الشرقية

اليوم .. وزير التربية يكرم مرشدا طلابيا أنقذ طفلين وخادمة من حريق

صورة الخبر

بقلم : شافي الوسعان على ذمةِ الكاتبِ علي الموسى، فإنه (في العُرفين، الكتابي والإعلامي، جرت النواميس أنه لا تجوز المساءلة أو الكتابة عن قضية منظورة أمام طاولة القضاء، منعاً للانحياز أو التجييش المجتمعي الذي قد يؤثر في مسار القضية. وحين تصدر الأحكام القضائية يرفع هذا الحظر وينتهي هذا العرف)، لذا أرجو أن يكونَ ما أقولُ في هذا المقالِ داخلاً في دائرةِ تطويرِ القضاء، فأيُّ عملٍ في هذه الدنيا لا يمكنُ أن يتطورَ إذا اعتقدَ صاحبُه أنه وصلَ إلى درجةِ الكمال، أو أُحِيطَ بهالةٍ من التعظيمِ والقداسةِ، وأنَّ من أخطرِ الأشياء أن يتمَ الخلطُ بين المقدسِ وغيرِ المقدس، فالدينُ قضية ٌمقدسةٌ لكنَّ رجالَ الدينِ بشرٌ يصيبون ويخطئون، ويعدلون ويظلمون، ولولا النقدُ لظنَّ كلُّ واحدٍ منا أنه أعدلُ إنسانٍ على وجهِ الأرض، ففي الأسبوعِ الماضي ضجَّت مواقعُ التواصلِ الاجتماعي بقضيةِ فتاةٍ جُلِدَت في جامعةِ رفحاء، بسببِ أنها اعتدت على إحدى الإدارياتِ في الجامعةِ أمام زميلاتها، حين علمت أنَّها أصبحت زوجةً ثانيةً لزوجِها -نقلاً عن صحيفة «المواطنِ» الإلكترونية-، ومع أنَّ وجهاتِ النظرِ حيال القضيةِ كانت متباينةً بدرجةٍ كبيرةِ، فهي بين راضٍ وموغلٍ في الرضا على اعتبارِ أنَّ الفتاةَ أخطأت ونالت ما تستحق، وبين ساخطٍ ومسرفٍ في السخط، بزعمِ أنَّ هذا الحكمَ لم يَقُم على أساسٍ واضح، بدليل أنَّ قضايا أخرى أخطر لم تصل أحكامُها إلى درجةِ الجلدِ والتشهيرِ، كما أنَّ الأحكامَ ليس القصدُ منها إذلالَ المذنبين أو احتقارَهم بقدر ما أنها إنصافٌ للمظلومِ وردعٌ للظالم، والواقع أنَّي لا أنكرُ أنَّ الفتاةَ أخطأت، لكنَّ خطأها لا يستوجبُ التشهيرَ بها أمام الناسِ، إذ لا يوجدُ في الشرعِ ما يستوجبُ التشهيرَ إلا الزنا، ومعلوم أنَّ الزنا نفسَه يصعبُ إثباتُه عن طريقِ الشهودِ كما ذكرَ شيخُ الإسلامِ -رحمه الله-: (لم يثبت الزنا بطريقِ الشهادةِ من فجرِ الإسلامِ إلى وقتهِ، وإنما ثبت بطريق الإقرار)، وعلى ذلك فالتشهيرُ في الإسلامِ لا يكادُ يُذكر، ولا يُعتدُ بأحكامِ طالبان التي يَضُجُ بها (يوتيوب)، فهم قد صدَّروا إلى العالمِ إسلاماً آخر لا علاقةَ له بما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم، كما أني لا أستغربُ وجودَ هذا التفاوتِ في الأحكامِ ما دام القضاءُ بلا تقنين، وما دام القضاةُ يعتمدون في أحكامِهم على اجتهادِهم وعلى حسبِ تقديرِهم للحالة، ووفقاً لثقافتِهم ونظرتِهم إلى الأشياء، فبعضنا قد لا يعرفُ معنى الغيرةِ عند المرأةِ ولا تركيبتَها النفسية، فيعتقد أنها حين تنزعجُ من زواجِ زوجها، إنما تُنكرُ مشروعيةَ التعددِ، فتجده يبالغُ في زجرِها ويقسو في الحكمِ عليها، معتقداً أنه حين يشهِّرُ بها أمام بناتِ جنسِها إنما هو بذلك يدافعُ عن التعدد! والحال كذلك ينطبقُ على بعضِ القرَّاء الذين يعتقدون أنهم بتعصبِهم لجلدِ الفتاةِ والتشهيرِ بها إنما يتعصبون لدين الله! كما أنَّ قوانين المحاماةِ لدينا ليست واضحة، ومازال دورُ المحامين عندنا ينحصرُ في محاولةِ استرضاءِ القاضي واستمالتِه إلى صفهم أكثر من بحثِهم عن منافذَ قانونيةٍ يساعدون بها موكلَهم في إثباتِ براءتِه أو تخفيفِ الحكمِ عنه! لا أكتمكم أني أولُ ما وقعت عيناي على الصورةِ خِلتُ أنها منقولةٌ من مكانٍ آخر، أو أنَّ الفتاةَ قد ارتكبت فعلاً آخر يستحقُّ الجلدَ والتشهيرَ معاً، غير أنَّي حين تتبعتُ القضيةَ عرفتُ التفاصيل، ومع ذلك فمن الظلمِ توجيهُ اللومِ للقاضي، لأنه لا يعتمدُ في أحكامِه على قوانين واضحةٍ ومعاييرَ معينةٍ يمكن تقويمهُ على أساسِها في حال الخطأِ والتجاوز. المؤسفُ في الموضوعِ أن يتمَ الجلدُ داخلَ الحرمِ الجامعي، وأمام أعينِ الطالبات، كما لو أنَّ الهدفَ إذلالُ الفتاةِ واسترضاءُ الأخرى، ولست أدري كيف سمحت إدارةُ الجامعةِ بأن يُستبَاحَ حرمُها، فالأسرُ إنما تُرسِلُ بناتِها لطلبِ العلمِ والجَدِّ فيه، ولتكونَ الجامعةُ منارَ أملٍ وهدايةٍ وتعليمٍ للعفوِ والتسامحِ، لا قتلاً للأملِ في النفوسِ ومكاناً للثأرِ والقصاصِ، فمن يبرر ذلك بالقولِ: كما أنَّ الفتاةَ ضَربت ضُرَّتها أمام الناسِ فكذلك يجبُ أن تُضربَ أمام الناس، فإنه لا يُلام؛ لكن ليس عدلاً أن تكونَ الفتاةُ قد ارتكبت فعلتَها أمام عددٍ من الإدارياتِ وداخل مكتبٍ صغيرٍ، بينما هي تُضرَبُ في الحرمِ الجامعي وأمام كلِّ الطالباتِ، فحتى في حالاتِ القصاصِ لما دون النفسِ ذهب الجمهورُ إلى أنَّه لا يجوزُ القصاصُ بزيادة!   نقلا عن الشرق