بلغت حدة الصراع المذهبي في العالم الإسلامي ذروتها في ظل إخفاق كل المشروعات التقريبية وفشل كل المبادرات التي انتهت إليها العديد من الحوارات والنقاشات التي جرت منذ عقد ثمانينات القرن الماضي بين الرموز الدينية من كل المذاهب الإسلامية على الرغم من أن تلك الحوارات والتي كان للرياض والقاهرة وعمان شرف السبق في تبنيها قد نجحت في رسم صورة وردية للواقع الإسلامي لكنها الصورة التي أخفقت في ترشيد الخطاب المذهبي المتشنج والذي ظل يستخدم لأهداف سياسية وأداة لتأجيج الفتنة المذهبية الهوجاء داخل الشعوب العربية والإسلامية وتقويض أمنها واستقرارها وإشغالها عن مواجهة مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى درجة أصبح فيها هذا الخطاب المذهبي المنفلت من عقاله هو الشرارة التي قد تجهز على العالم الإسلامي إذا ما استمرت كل المحاولات الجادة والهادفة إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية تتحطم على صخرة التعصب المذهبي و(التُقية) للرموز الشيعية التي تختزل هذا التقريب بمفردة تشييع السنة داخل الأقطار العربية وعلى النحو الذي حصل في العراق وسورية واليمن التي تحولت مع الأسف الشديد إلى محاضن للعنف المذهبي والطائفي والقتل والقتل المضاد بمجرد أن تسللت إليها رياح الثورة الخمينية التي تمكنت من اختراق هذه الأقطار وغيرها عبر إعادة إنتاج ملحمة (الفتنة الكبرى) بفصولها المأساوية التي جرت قبل 1400 عام بنمط متجدد من الصراع الشيعي السني. لن نعيد ونكرر ما يقال كل يوم عن أن ما يجري في العديد من البلدان العربية من حروب وصراعات وانقسامات واقتتال طائفي ومذهبي إنما يأتي ضمن مخطط لتمزيق وتفتيت هذه البلدان وتقسيمها إلى دويلات وكنتونات طائفية ومذهبية متناحرة ومتصارعة يسهل ابتلاعها أو الانقضاض عليها أو سلب هويتها العربية وهو مخطط تتجلى مظاهره في التشكلات المذهبية التي نشأت في العراق عقب سقوط نظام صدام حسين والتي حولت هذا البلد بعمقه العروبي والحضاري والإنساني إلى ساحة تموج بالصراع بين الحركات المتطرفة وذلك بعد أن تسللت إيران إلى داخل العراق وقامت بدعم حزب الدعوة الشيعي وبما سمح له إقصاء وتهميش المكون السني والمكونات العراقية الأخرى التي وجدت نفسها أمام نسخة ثانية من (حزب الله) الذي يفرض هو الآخر على لبنان ومواطنيه مفهومه الخاص للوطنية وللمقاومة ولدور الدولة والجيش بل إن هذا الحزب الذي يتفرد بامتلاك السلاح خارج سلطة الدولة قد أعطى لنفسه الحق في فرض خياراته ومواقفه وتحالفاته السياسية مع إيران ونظام بشار الأسد على اللبنانيين جميعاً ونتيجة هذا التساوق بين حزب الله وحزب الدعوة فقد ظهرت الحركات المتطرفة الأخرى مثل داعش وأخواتها في العراق كنتاج طبيعي للتطرف المذهبي والطائفي لحزب الدعوة الذي شكل منذ تأسيسه الامتداد الديني والعقائدي والعسكري والاستراتيجي للنظام الإيراني على حساب انتماء العراق العروبي. منذ أن طرح ملك الأردن عبدالله الثاني أثناء زيارته لواشنطن عام 2004م استشرافاته لأنماط ظاهرة (الهلال الشيعي) عقب الثورة الإيرانية عام 1979م فقد عمدت إيران إلى اعتماد الاستقطاب الطائفي الصريح مستغلة الوضع الاستثنائي الذي تمر به المنطقة العربية لتعميق الهوة بين الجماعتين السنية والشيعية والزج بهما تحت وطأة الاستقطاب المذهبي في حروب مفتوحة ومتعددة الجبهات سيكون من الصعوبة لجم انعكاساتها وتأثيراتها أو حسم تداعياتها على المدى المنظور طالما بقي الخطاب المذهبي وامتداداته الطائفية خارج حدود السيطرة ويستند إلى رغبة الجانب الإيراني في تغذية خطوط الانقسام بين السنة والشيعة لصالح أطماعه وتوسعاته في الأرض العربية ومن يبحث عن برهان عليه أن يعاود الاستماع لخطاب عاشوراء للرموز الدينية لهذا النظام وهو الخطاب الذي بدا فيه التقاتل بين المسلمين مشروعاً وسفك دماء بعضهم البعض مبرراً.