من أقوى وأشهر الكتب التي درست الطبيعة البشرية كتاب «التأثير» للعالم النفسي روبرت تشالديني، ووضع فيه 6 طرق يستخدمها البشر ليؤثروا على بعضهم، رأينا بعضها مقالات سابقة. هذه الطرق تحصل أحياناً بطرق لا ينتبه لها المرء، يستخدمها البعض ليجعلوك تنفذ مقاصدهم بدون وعي، وأحد المبادئ هو ما يسمى «الدليل الاجتماعي»، ويعني أننا ننظر - رغماً عنا - إلى ما يفعله الناس كدليل على صحة الشيء. مثلاً: ننظر إيجابياً إلى سلعة يشتريها الكثير، فيكون هذا الإجماع نوعاً من البرهان على جودتها، حتى لو لم تكن ذا جودة. لهذا لا تستغرب لو رأيت بعض الدعايات أو بعض الباعة في المحلات وهم يزعمون أن المنتج من أسرع البضائع مبيعاً، وأن الناس يحبونه، وأنه حاصل على رضا الكثيرين، فإن إقبال الناس على سلعة ليس معياراً لجودتها، لكن لأن التجار يعرفون تأثير هذا المبدأ فيكفي لإقناعك أن المنتج جيد. الدليل الاجتماعي يُمكن أن يُستخدم في الخير أيضاً، فمن الأدلة المُثبتة لقوة هذا المبدأ تجربة نفسية أجريت على أطفال. دخل الباحث على حضانة فيها أطفال يلعبون، وتأمل بالذات الأطفال الانطوائيين، ولاحظهم وهم منطوون واقفون بعيداً عن البقية ممن يلعبون، فصوَّر مقطعاً مرئياً فيه أطفال واقفون بعيداً يرقبون غيرهم يلعبون، ثم يمشون تجاههم ويلعبون معهم. أخذ الباحث أربعة من أشد الأطفال انطواءً وخجلاً، ولما أراهم المقطع كانت النتيجة مبهرة: بدأ هؤلاء الأربعة يختلطون مع غيرهم ويلعبون معهم كأي طفل آخر. عاد بعد ست أسابيع فلاحظ أن بقية الانطوائيين ظلوا على انعزالهم، وأما هؤلاء الأربعة فصاروا من قادة اللعب والمخالطة مع زملائهم! كل هذا لأنهم رأوا مقطعاً مدته 23 دقيقة مرة واحدة فقط. الكثير من الأطفال يمكن أن يتأثروا بمثل هذا. هذا المبدأ مفيد أيضاً لتربية المراهقين والذين يُعرَف عنادهم ومشاغبتهم في العادة. الصورة العامة عن المراهق أنه يحب المخالفة والاعتراض على الأعراف، لكن المراهقين أشد الناس تقليداً، طالما كان المقلَّد شخصاً آخر ليس من أبويه! لهذا فإن النشرات والملصقات الإرشادية التي تحاول حثهم على تجنب التدخين -مثلاً- يكون تأثيرها محدوداً، لكن يزداد التأثير نفعاً فيما لو أتى التحذير من فتى آخر في نفس عمره. لوحة إرشادية معلقة في مدرسة تذكر أضرار التدخين قد لا تنفع كثيراً، ولكن قصة فتى سببت له السجائر أضراراً تنفع أكثر بكثير، خاصة إذا قُرِنَت بالصور. إذا أردت تعليم طفلك السباحة بدون عوامات منفوخة (أو «لستك») فإن كلامك لن يكون له نفس أثر أن يرى ابنك طفلاً آخر وهو يسبح بلا عون من العوامات. إن الدليل الاجتماعي من القوة بمكان، حتى إن أخبار انتحار المشاهير في الغرب ترتبط دائما مع قفزة ضخمة في انتحار الناس! الذين يئسوا من الحياة ولكن ترددوا في قتل أنفسهم ينظرون لهؤلاء الفنانين المنتحرين ويشعرون بنوع من التأكيد، فإذا رأوا غيرهم فعل ذلك أقدموا وقتلوا أنفسهم. البشر يتأثرون بغيرهم...حتى في أمور الحياة والموت! مقالات أخرى للكاتب هل «سكاي نت» يكمن وينتظر؟ دروس التاريخ.. نهضة وسقوط الأمم التقمُّص العاطفي يا «عُملة» اليوم بفلوس.. بكرة ببلاش! كيف يشعر من يصاب برصاصة في رأسه؟